للتحميل PDF | مشرق البحر المتوسط في عصر المماليك دراسة سياسية اقتصادية في تاريخ المنطقة من معركة عين جالوت إلى الغزو التيموري 658 808هج /1260-1405م - أنس عبد الله المحمد ، رسالة دكتوراه ، كلية الآداب جامعة دمشق بإشراف أ.د سهيل زكار 2014م
عدد الصفحات : 450
الملخص:
أسهم الجزء الشرقي من حوض البحر المتوسط - ولا يزال - بشكل كبير في التفاعلات الحضارية، والتحولات السياسية والاقتصادية في العالم أجمع منذ فجر التاريخ، ويعود السبب في ذلك لما تحتله هذه المنطقة من موقع جغرافي استراتيجي، إذ تتوسط قارات العالم القدم، إضافة إلى ما امتلكته من قوة بشرية واقتصادية كبيرة، ومن بعد حضاري عميل مكنها من أن تشغل دوراً محورياً على مسرح الأحداث العالمية.
فمنذ فجر التاريخ كان مشرق البحر المتوسط مهياً للحضارات العالمية التي انطلقت على أيدي أجدادنا العرب من فينيقيين وغيرهم، لتصل إلى جميع بلدان البحر المتوسط؛ فعلى سبيل المثال أظهرت الحفريات الأثرية أن حل مدن الأندلس قد جاء تأسيسها للمرة الأولى على أيدي الفينيقيين الذين انطلقوا من مهدهم في مشرق البحر المتوسط، ومن بعد الفينيقيين تعاقبت القوى العالمية على حكم مشرق البحر المتوسط، فعلى التوالي قدم إلى المنطقة كل من المصريين أم الأشوريين، ثم الكلدانيين، لم الفرس، ثم اليونان، ثم الرومان إلى أن عادت السيطرة العربية عليها مع قدوم المسلمين. ومع نشاط حركة الفلوج الإسلامية في العصرين الراشدي والأموي أحدث المنطقة بعداً استراتيجياً أكثر من ذي قبل، ولا سيما عندما عدت مركز العالم في العصر الأموي، وقاعدة لانطلاق الحملات ضد الإمبراطورية البيزنطية برأ ومرة لذلك أدرك الغرب الأوربي أن مشرق البحر المتوسط هو المدخل إلى قلب العالم الإسلامي ومركزه، وبالسيطرة عليه يفقد العالم الإسلامي أهم أسى عظمته، ومن ثم يسهل التحكم فيه سياسياً واقتصادياً، بعد أن يسيطروا على طرق التجارة العالمية التي كانت خطوطها تبدأ وتنتهي في مشرق البحر المتوسط وأسواقه، لهذا السبب ولغيره بدأت الحملات الصليبية المكلفة على المنطقة في نهاية القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، إذ انتهت إلى احتلال ساحل بلاد الشام بشكل شبه كامل مع أجزاء من سواحل آسيا الصغرى التي اتخذها الصليبيون نقطة انطلاق لهم نحو دمشق وحلب ومصر. وتزامن وجود الصليبيين في المنطقة.
مع ظهور قوة جديدة في شرق آسيا هي قبائل المغول التي توحدت لتشكل قوة ضاربة قادمة من الشرق تطوي الأرض طياً حتى وصلت إلى هذه المنطقة، فهم أدركوا أهميتها كمنفذ لهم على البحر المتوسط، وعلموا أن من يسيطر على هذا الجزء من العالم يمتلك موقعاً استراتيجياً يمكنه من التحكم بأمن العالم واقتصاده - هذا المفهوم تكامل أيضاً فيما بعد مع الدولة العثمانية، ثم مع روسيا القيصرية ومحاولاتها المتكررة للوصول إلى المياه الدافئة (البحر المتوسط)، لذلك لقيت التصدي العنيف من قبل الإنكليز والفرنسيين ( حليفا العثمانيين)، اللذين أدركوا مدى خطورة وصول قوة عظمى إلى هذه المنطقة، فقاموا فيما بعد باحتلالها، وزرع الكيان الصهيوني فيها كرأس جسر لهم نحو الجزء الشرقي من العالم، فالمنطقة في هذه الأيام تشهد ما شهدته منذ ثمانية قرون - . ومن القوى الجديدة التي ظهرت أيضاً على مسرح الأحداث آنذاك؛ دولة إرمينية الصغرى في كيليكيا، التي تحالفت مع المغول؛ وقبل ذلك مع الصليبيين لتحمي نفسها ككيان قائم في جزء استراتيجي ومهم، أما الإمبراطورية البيزنطية فقد المحسرت سيطرتها عن المنطقة لتصبح أشبه بإمبراطورية مدينة القسطنطينية، وبدأت الإمارات التركمانية ترث ملكها، ولعل أهمها إمارة بني عثمان. هكذا أصبحت المنطقة التي تشكل سواحل بلاد الشام وآسيا الصغرى والسواحل المصرية المعروفة باسم ليفانت لبنان منطقة متميزة متداخلة الصراعات والأحداث تتفاعل وتحدث تغيرات هنا وهناك، وقد وصلت إلى ذروة التعقد، لذا بات من الضرورة دراسة تلك التطورات فيها، فوقع الاختيار على مرحلة ما بعد الحملة السابعة التي شهدت قيام سلطنة المماليك، واستمرت حتى بداية الغزو التيموري الذي أحدث تغيرات كبرى وفاصلة في المنطقة ٦-٨٠٨ / ١٢٦٠-١٤٠٥م) والسؤال: لماذا هذه المدة بالتحديد ظهورها من إخضاع مشرق البحر المتوسط بأكمله لسيطرتها، واستمرت الأوضاع على ما هي عليه حتى اجتياح تيمورلنك للمنطقة، فقد غير احتياحه كل الملامح السياسية فيها، وبدأت بعده حالة جديدة تخلخلت فيها موازين القوى، ولم تعد كما كانت من قبل، لذلك فالهدف الذي تسعى إليه هذه الأطروحة هو دراسة الحالة الأولى، أي المتغيرات السياسية والاقتصادية في المنطقة من معركة عين جالوت حتى الغزو التيموري
فالبحث يتناول منطقة قائمة بذاتها متداخلة الأحداث، متفاعلة، وهو من الأبحاث الشائكة والمعقدة، ولا سيما أن أطراف النزاع فيه عديدة، ومتداخلة مع بعضها بعضاً، ومسرح الأحداث فيها واسع وفسيح، إذ يشمل الحوض الشرقي للبحر المتوسط، والزمن الذي تبحث فيه شهد تحولات عديدة من احتلال، وتحرير، وظهور قوى جديدة. وتأتي أهمية هذا الموضوع أيضاً في أنه يكشف جذور كثير من الظواهر السياسية والاقتصادية التي ورثها عالمنا المعاصر عن العصور الإسلامية المتأخرة، فالمنطقة التي شهدت الحروب والصراعات، هي ذاتها تشهد اليوم صراعات وأحلاف سياسية واقتصادية بين قوى عديدة لأهداف متقاربة. ومن غير شك أن تجد مصادر كثر تورج لتلك الحقبة، لأن الحركة التاريخية عند المسلمين بلغت ذروتها في العصر المملوكي مع المؤرخين العظام أمثال النويري، وابن خلدون، والمقريزي، والقلقشندي....إلخ، فمسألة المصادر، وتوفر المادة العلمية لم تكن تشكل عائقاً أمام البحث، وإنما وت المصاعب من غزارة الأحداث، وتشابكها، وكثرة الأطراف التي قد تشترك في حدث واحد، من هنا جاءت الحاجة إلى ترتيب هذه الأحداث وايجاد الرابط بينها، والمسبب لها، وكيف تم التعامل مع كل حدث من قبل الأطراف المتعددة. ولهذا السبب قسمت الأطروحة إلى فصول وتطرق كل فصل من فصول هذه الدراسة إلى علاقة المماليك - بحكم أنهم الأقوى - مع طرف من هذه الأطراف، فيعد المقدمة، ودراسة المصادر والمراجع والتمهيد الذي جعل للتعريف بالمنطقة والقوى الموزعة فيها آنذاك تناول الفصل الأول العلاقة بين المغول والمماليك، والمواجهات التي تمت بينهم من معركة عين جالوت حتى عقد الصلح بينهم سنة ٧٢٣هـ / ۱۳۲۳م، ولطول هذه الحقبة التاريخية ورغ البحث على فقرات قسمت حسب عهود السلاطين المماليك الذين تصدوا للمغول، ولم يقتصر الحديث على المواجهات فقط، بل ثم التعرض لمحاولات التحالف للمغولي مع الغرب الأوربي، والمحاولات المخفقة لعقد الصلح مع المماليك.
أما الفصل الثاني فتناول الحديث عن العمليات العسكرية التي قام بها المماليك ضد الصليبيين في ساحل بلاد الشام، وقسم هذا الفصل أيضاً إلى فقرات اعتماداً على الأعمال العسكرية لكل سلطان مملوكي حتى تحرير عكا، وتم التعرض فيه لعمليات القرصنة الأوربية ضد السواحل المملوكية>
بينما اقتصر الفصل الثالث على علاقة المماليك مع الطرف الثالث؛ أي إرمينية الصغرى، فتحدث عن نشأة هذه المملكة، ودورها في مشرق البحر المتوسط إبان حقبة البحث، وعلاقاتها مع جيرانها، وأشار إلى نشاطها القوي مع المغول للسيطرة على المنطقة، وإلى الحملات الملوكية المجردة عليها إلى أن تمت إزالتها عن الوجود.
وخصص الفصل الرابع للحديث عن المتغيرات الدولية في المنطقة في أواخر القرن الثامن ومطلع القرن التاسع الهجري، ولعل أهم تلك المتغيرات قيام سلطنة المماليك الثانية، وما رافقها من اضطرابات في بلاد الشام، غير أن الشيء الأكثر أهمية هو الهجوم المغول على المتعلقة بقيادة تيمورلنك هذا الاحتياج الغاشم لبلاد الشام ثم لآسيا الصغرى، وما نتج عنه من نتائج بدأت تتغير معها ملامح الشرق الأوسط من جديد، فمع احتياج تيمورلنك انتهت مرحلة من تاريخ المنطقة كان الاستقرار عنوانها الأساسي، وكان المماليك فيها القوة الرئيسية، لتبدأ بعد ذلك السلطنة المملوكية بالتراجع في ظل مرحلة سادها النزاع مر الصراع بين الطوائف المملوكية.
ولم تقتصر هذه الدراسة على الجانب السياسي فقط، بل تعدته إلى الجانب الاقتصادي، الذي لم بمعناه الواسع، لأن ذلك يشكل بحد ذاته ميداناً فسيحاً، لذلك اقتصر على الاقتصاد السياسي؛ أي أثر الاقتصاد في السياسة الدولية الذاك، وذلك من المثال التعرف على أهم القوى الاقتصادية، وعلاقتها مع القوى العسكرية، هذا ما تناوله الفصل الخامس الذي تم الحديث فيه أيضاً عن الطرق. والمراكز التجارية، والهدف من ذلك الإشارة إلى أهمية القوة التي تهيمن على هذه الطرق والمنافذ، كما تحت الإشارة إلى أهم السلع المتداولة في التجارة، من مراكز إنتاجها، إلى طرق نقلها، وتصريفها، وتعرضن البحث بشكل مختصب إلى القوى التجارية، ولاسيما التدقية وحلوى، ولعلاقتها بقوى المنطقة،والامتيازات الممنوحة لها هناك.
فقد حرصت هذه الجمهوريات التجارية أشد الحرص على إقامة أوثق العلاقات التجارية مع قوى المنطقة، في الوقت الذي كان فيه سعي دائم من قبرص لتفرض نفسها كقوة متحكمة بالنشاط التجاري أحياناً عن طريق السيطرة على بعض موانئ آسيا الصغرى وجعلها محطات لها؛ ولاسيما آياس، وأحياناً بالغارات المدمرة على الشواطئ الشامية والمصرية، مثلما فعل بطرس الأول ملك قبرص عندما أغار على الإسكندرية سنة ٧٦٧هـ / ١٣٦٥م. أما الخاتمة فكانت مقتصرة على عرض أهم النتائج التي تم التوصل إليها خلال البحث، وديلت هذه الخاتمة بجريدة للمصادر والمراجع التي بني عليها هذا البحث.
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق