تنزيل ملف PDF | علاقات الحرب والسلم بين دولة المماليك البحرية ومملكة أرمينيا الصغرى في كيليكيا منتصف القرن الثالث عشر - الرابع عشر الميلادي (648-784هـ/ 1250-1382م) ، هبة بسام عبود ، رسالة ماجستير بكاية الآداب جامعة تشرين ، سوريا ، اللاذقية 2016م.
عدد الصفحات : 219
نبذة عن الرسالة :
أسس المماليك في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي دولة إسلامية مترامية الأطراف على أنقاض الدولة الأيوبية، شملت مصر وبلاد الشام، وامتد حكمها على مدى قرنين ونصف من الزمن، أصبح فيه زمام المبادرة في قبضة المسلمين، بعد أن اتحدت جبهاتهم، واتخذوا سياسة الهجوم دفعا للعدوان، في الوقت الذي التزم فيه أعدائهم بسياسة الدفاع عن أنفسهم، وعن كيانهم المتداعي في الأرضي المقدسة. وقد بلغت الدولة المملوكية في النصف الأول من القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي أقصى درجات الاتساع والعظمة، لتشهد الدولة استقراراً كبيراً، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، تخلل هذه الفترة مراحل من الجهاد الإسلامي للدفاع عن الدين، والأرض ضد الأخطار التي هددت المنطقة من جانب الصليبيين، والمغول، والغرب الأوروبي أحياناً، وأحرزوا باسم الإسلام انتصارات ساهمت في بقاء دولتهم لمدة طويلة، وخصوصا معركتهم الشهيرة ضد المغول في عين جالوت التي فرضوا من خلالها أحقيتهم في الحكم، لأنهم برزوا كحامي وحيد للإسلام والمسلمين من خطر الأطماع المغولية، حيث أن العرب المسلمين كانوا قد خبروا دمارها جيداً.
وضمن تلك السياسة في الدفاع عن أرض المسلمين، تنبه المماليك لخطر مملكة أرمينيا الصغرى التي تأسست في كيليكيا على الساحل الجنوبي الشرقي للأناضول على يد السلالة الروبينية في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي، فقد سعى الأرمن إلى التحالف مع دولة المغول في فارس التي أسسها هولاكو عام ٦٥٩هـ / ١٢٦٠م، والتماس مساعدتهم لمواجهة السياسة القوية التي رسمتها دولة المماليك البحرية لنفسها، والتي استهدفت حماية حدودها، ومصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة بكافة الوسائل المتاحة، فقد استند هذا التحالف على العداء المستحكم بين المماليك ومغول فارس الذي استمر حتى بعد اجتماعهم في ظل الإسلام، وتبادل السفارات و المراسلات فيما بينهم.
لم يقتصر ذلك الصراع بين الطرفين على الجانب السياسي، فحكام مملكة أرمينيا الصغرى ام يفوتوا أي فرصة ممكنة لإلحاق الضرر بالمماليك، بهدف إضعافهم اقتصادياً، بعد أدراكهم أن قوة هذه الدولة وتماسكها، يكمن في تنامي نشاطها الاقتصادي الذي قام على أساس احتكار الجزء الأكبر من نشاط التجارة بين الشرق والغرب، لاسيما بعد الحدار الطريق الأساسي لخطوط التجارة الذي يربط الشرق الأقصى بالبحر الأسود والقسطنطينية ليحل محله الطريق البحري الذي يربط المحيط الهندي بمصر والشام، مما جعل القاهرة مركزا تجاريا وسياسيا عالميا هاما، فالعداء بين المماليك والأرمن في حقيقة أمره حلقة في سلسلة العداوات بين القوى الإسلامية والمسيحية في عصر الحروب الصليبية، وجزء من صراع الشرق والغرب المستمر منذ قرون طويلة.
كان النشاط العسكري ولغة الحرب، وسيلة الصراع الأساسية بالنسبة للمماليك، في محاولاتهم الإخضاع تلك المملكة، وقد أفتتح الظاهر بيبرس سلسلة الحملات، وسار خلفاؤه على نفس النهج دون تردد حتى تمكنوا في عهد خلفاء الناصر محمد بن قلاوون آخر السلاطين الأقوياء، من الاستيلاء على عاصمة مملكة أرمينيا الصغرى "سيس"، وبالتالي القضاء على مملكتهم سنة ٧٧٦هـ / ١٣٧٥م، بعد أن انهكتها الضربات العسكرية المملوكية، وسادت الخلافات بين قياداتها. وقد تبني المماليك للخيار العسكري، لم يكن يعني بالضرورة استغنائهم عن الخيار الدبلوماسي خصوصا أنهم يعدون بلاد الإسلام داراً للسلم، وهو خيار لا يقل أهمية عن الحملات العسكرية وتحمل كتب التاريخ بالإشارة إلى تنوع العلاقات دبلوماسية للمماليك مع الدول المحيطة بهم، ومن ضمنها مملكة أرمينيا الصغرى، من خلال تبادل العديد من السفارات والمراسلات وتوقيع اتفاقيات سلام بين الطرفين، والتي كان لديوان الإنشاء المملوكي دور كبير في ترتيبها والإشراف عليها.
على الرغم من وجود كتب كثيرة، وأبحاث متعددة تتناول دولة المماليك البحرية، وعلاقاتها الخارجية والداخلية، إلا أن معظم هذه الدراسات تناولت العلاقات المملوكية - الأرمنية بشكل عام دون الدخول في تفاصيلها، فكانت معالجتها سطحية ضمن الحديث العام عن الصليبيين، والمماليك، والمغول، ضمن فصول، أو شذرات هنا وهناك من هنا جاءت فكرة التطرق إلى هذا الموضوع بشكل معمق من خلال إلقاء الضوء على فترة معقدة من العلاقات الدولية التي شهدت اضطراب بين الشرق والغرب، مع وجود قوتين كبيرتين الغرب الفرنجي الداعم للدويلات الصليبية في المشرق والخطر المغولي الذي شكل تهديداً جدياً لدولة المماليك، التي شعرت بوجودها بوسط معادي، انعكس على طبيعة علاقاتها مع الدول المجاورة ومنها مملكة أرمينيا الصغرى. يضفي الموقع المتميز الأرمينيا كواجهة تطل أوروبا من خلالها على بلاد المسلمين في غرب آسيا وشمال البحر المتوسط، أهمية خاصة للبحث، لأن الدولة المملوكية الممتدة على كامل مساحة بلاد الشام ومصر مشكلة وحدة سياسية وجغرافية، تعد سدا إسلاميا في وجه عودة أطماع الغرب إلى الشرق، وتكرار حروبهم الصليبية.
تنبع أهمية هذا البحث من إلقاء الضوء على مجريات السياسة الدولية في تلك الفترة وخلفيات إدارة العلاقات الدبلوماسية، بل ويقترب أكثر من الأشخاص الذين لعبوا دورا محوريا فيها، وحركوا مسار الأحداث، وإظهار طبيعة تعامل الدولة المملوكية المسلمة، مع الدول غير الإسلامية باعتبارها المرجع الأول للإسلام، والتأكيد على أن التاريخ المملوكي لم يقتصر على الجانب العسكري، بل أن الخيار السياسي قد تباور لديها منذ تشكلها، وربما عكس فكر وشخصية المماليك الحقيقية.
وقد اقتضت ضرورة البحث تقسيمه إلى أربعة فصول:
تناول الفصل الأول المعنون " من أرمينيا الكبرى إلى أرمينيا الصغرى: لمحة تاريخية، وجغرافية عن أرمينيا الكبرى، والجذور التاريخية للأرمن، حتى هجرتهم إلى كيليكيا وتأسيس مملكة أرمينيا الصغرى. كما تضمن أيضا ظهور دولة المماليك البحرية على مسرح الأحداث، والدور الذي قام به أمراء المماليك في الدفاع عن مصر وحمايتها ضد الأخطار الخارجية وكان أولها الحملة الصليبية السابعة التي قادها لويس التاسع ملك فرنسا.
أما الفصل الثاني وعنوانه " العلاقات المملوكية الأرمنية (٦٥٨-٦٨٩هـ / ١٢٦٠ - ١٢٩٠م) فقد تضمن أسباب الخلاف المملوكي الأرمني الذي بدأ بظهور المغول القادمين من أواسط آسيا، والاتصالات التي جرت بين المغول، وبين الأرمن في عهد ملكهم هيثوم الأول الذي وجد في المغول سنداً قوياً لمملكة أرمينيا الصغرى ضد محيطها المعادي من المسلمين سلاجقة الروم والمماليك. اشترك الأرمن إلى جانب المغول في هجومهم على بغداد، ومدن بلاد الشام، الأمر الذي دفع الظاهر بيبرس إلى ارسال حملات عسكرية متتالية ضد مملكة أرمينيا الصغرى والإمارات الصليبية الموجودة في بلاد الشام، وتبعه في هذه السياسة المنصور قلاوون الذي اتخذ من الدبلوماسية أداة لتحقيق مصالح اقتصادية للدولة المملوكية لمواجهة محاولات البابوية والغرب الأوروبي فرض حصار اقتصادي بقصد اضعافها، فوقع معاهدة سلام مع الأرمن.
بينما اشتمل الفصل الثالث تدهور أوضاع مملكة أرمينيا الصغرى وسقوطها سنة ٧٧٦هـ / ١٣٧٥م على طبيعة العلاقات المملوكية الأرمنية في عهد الأشرف خليل، والناصر محمد بن قلاوون حتى انهيار المملكة على يد خلفاء الناصر محمد بفعل عدة عوامل أهمها الضربات المملوكية المتتالية عليها، وانشغال الأوربيين بمشاكلهم الداخلية، وفقداتها لأهم حليف لها في المنطقة، والمتمثل بمغول فارس ولاسيما بعد اعتناق خاناتهم الدين الإسلامي بشكل رسمي.
أما الفصل الرابع العلاقات السلمية والمراسلات الدبلوماسية فهو يتناول العلاقات الدبلوماسية التي جمعت بين دولة المماليك البحرية ومملكة أرمينيا الصغرى، من خلال عرض السفارات المتبادلة بين الطرفين لحل مشكلة، مثل التوسط لدى سلطان المماليك لإطلاق سراح أسرى حرب، أو لعقد اتفاقيات سلام او اتفاقيات ذات أغراض سياسية واقتصادية، كما تناول الفصل موضوع السفراء، وشروط اختيارهم، ووظائفهم، والقواعد والمراسم التي حكمت استقبالهم وطبيعة حصانتهم ونوعية هداياهم بالإضافة إلى الحديث عن أهمية ديوان الإنشاء المملوكي في رسم العلاقة الدبلوماسية بين المماليك والأرمن، مع ذكر الجوانب المادية المستخدمة للمراسلة مع ملك أرمينيا الصغرى.
ومن أجل إنجاز هذا البحث تم جمع المادة العلمية من المصادر والمراجع، والمقالات المتعلقة بتاريخ المماليك، ومملكة أرمينيا الصغرى، ثم العمل على تحليلها ومقارنتها بما يماثلها من الكتابات للخروج بفكرة تقود إلى الحقيقة العلمية التاريخية.
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق