رسالة دكتوراه | فتاوى القتل والتكفير فى العصرين الايوبى والمملوكى ( 567 - 923هـ / 1171 - 1517م ) ، فاطمة محمود منصور صالح ، كلية الآداب جامعة المنصورة 2023م
عدد الصفحات : 388
الرابط
من هنا
الملخص | تعد دراسة الفتوى عموما و فتاوى القتل والتكفير بشكل خاص خلال العصرين الأيوبي والمملوكي من الأهمية بمكان لأنها من أجدى العوامل لدراسة وفهم طبيعة المجتمع آنذاك, إذ أنها تلقى الضوء على مظاهر الواقع الفكري وأهم ملامحه، فضلا عن مدى استخدام العقل ومرونته، وهل انفسح المجال أمامه للبحث والتدبر ومن ثم التطوير أم الجمود والتخلف دون مجاراة لذلك الواقع، وهذا ما تطرقت إليه الباحثة خلال الدراسة إذ ألقت الضوء بشكل عابر على مظاهر الحركة الفكرية آنذاك وأثرها في تنامي وبروز ظاهرة التكفير، حيث برزت ظاهرة الاختلاف بين الفرق حول بعض أصول العقيدة مما كان له أكبر الأثر في شيوع التنازع فصار كل فريق يناضل عن اعتقاده محاولة منه في تأييد آرائه ودحض المخالفين الأمر الذي قاد لحالة من التباغض وتبادل الاتهام بالتكفير، فقد كان هناك الأشاعرة والحنابلة والصوفية والرافضة والفلاسفة ولكل طائفة من هؤلاء أفكارها الخاصة بها، هذا بالإضافه إلى التعصب المذهبي والتقليد الذي ساد بين فقهاء المذاهب للدرجة التي قوبل بها كل من ادعى الاجتهاد بالعناد والاتهام بالخروج عن الإجماع ، أيضا كانت النزعة العلمية السائدة آنذاك دينية بحته حيث برز الاهتمام بالعلوم الدينية على حساب العلوم الأخرى من الطب والهندسة والفلك والحساب ، هذا بالإضافة إلى أن الطابع العام للحركة العلمية والأدبية على السواء اتصف بالتكرار والتنظيم وعمل الحواشي بخلاف ما تقدمه من الابتكار والتجديد الأمر الذي يعد من سمات عصور التدهور.
كذلك تناولت الباحثة في الفصل الأول الحديث عن مؤسسة الفتوى في العصرين الأيوبي والمملوكي من خلال التطور التاريخي لنشأة دار العدل، وكيفية النظر في المظالم ومقومات مجلس النظر، وطرق التقدم بالفتوى، ثم ثنت الباحثة بالحديث عن شروط المفتي بين ما هو كائن آنذاك والمفترض أن يكون، فضلا عن كيفية الإجازة بالفتيا، ثم أقسام المفتين وأنواعهم من الرسميين وغير الرسميين، وأيضا أحوال المفتين موقعهم في البناء الطبقي ، وأكثر المذاهب الفقهية المعتمدة في الإفتاء بالقتل والتكفير وأخيرا الحديث عن أماكن تنفيذ حكم القتل وكيفيته. وقد برزت فتاوى القتل والتكفير على مختلف الأصعدة وهذا ما تناولته الباحثة في الفصول التالية، فعلى الصعيد السياسي مثلا توفرت عدة دوافع لصدور فتاوى القتل والتكفير أهمها الخروج على سلطان الدولة والتآمر على الحاكم، كما برزت ظاهرة الرغبة في الانتقام السياسي واستصدار السلاطين لفتاوى القتل ضد بعض الأمراء، فضلا عن استصدار فتاوى القتل من جانب الأمراء ضد بعضهم البعض، كذلك كانت الخيانة والتجسس وإذكاء نار الفتنة بين أرباب الدولة من أسباب صدور فتاوى القتل والتكفير، وأخيرا جاء جهاد الأعداء ومحاربتهم في الخارج من الفرنج والتتار والتركمان فضلا عن العربان وقطاع الطريق في الداخل دافعا لصدور فتاوى القتل والتكفير. أما عن الدوافع الدينية والاجتماعية لصدور فتاوى القتل والتكفير فيأتي في مقدمتها المناظرات الدينية بين المتكلمين في العقائد وما تضمنته من صدور مثل تلك الفتاوى وخاصة ضد الفلاسفة وبعض المتصوفة، كذلك كانت المناظرات بين فقهاء المذاهب الفقهية والتنافس بينهم سببا في بروز تلك الفتاوى، بالإضافة إلى فتاوى القتل والتكفير أثناء المناظرات مع أتباع الديانات الأخرى، وأخيرا جاءت فتاوى القتل والتكفير تطبيقا للحدود حيث تكررت الشواهد التاريخية التي عقدت فيها المحاكمات لأشخاص ارتكبوا الجرائم الاجتماعية والمحظورات الدينية كالقتل والزنا والسحر واللواط والارتداد وغيرها التي لم يتهاون الشرع في معاقبة مرتكبيها حفاظا على أمن الناس وسلامة المجتمع.
وختاما تناولت الباحثة الحديث عن آثار فتاوى القتل والتكفير على المجتمع خلال العصرين الأيوبي والمملوكي حيث كانت سلاح ذو حدين نظرا لما ترتب عليها من إيجابيات وسلبيات شملت مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، فمثلا على الصعيد السياسي بينما كانت فتاوى القتل سببا في التخلص من بعض المؤامرات التي استهدفت أمن الدولة، فإنها كانت أيضا في المقابل سببا في إعطاء الفرصة لبعض المتمردين في تدبير المؤامرات، ومن ثم ظهور الفتاوى المضادة التي أدت لسريان حالة من الانتقام ضد أولئك المتمردين، فضلا عن الفقهاء الذين أصدروا تلك الفتاوى ، أما عن الآثار الفكرية المترتبة على فتاوى القتل والتكفير فكانت سببا في تنشيط حركة التأليف للرد على الطرف المصرح بالفتوى و شيوع الاتهام بالتكفير بين الفقهاء ، ومحاربة بعض المعتقدات الخاطئة من وجهة نظر الفقهاء المعاصرين، لكن في المقابل تمخضت تلك الفتاوى عن بعض الآثار السلبية ومنها اختلاف الأحكام تبعا لاختلاف المذاهب، كذلك ضآلة الاهتمام بالعلوم غير الدينية كالعلوم الطبيعية والتجريبية التي هى أساس التطور لأى مجتمع من المجتمعات، كما كان لتلك الفتاوى بعض الآثار الاقتصادية التي تمثلت في تطبيق المصادرات تجاه أولئك الأشخاص الذين صدرت في حقهم فتوى بالقتل أو التكفير، كما شملت أيضا القضاة والمفتين ممن أصدروا الفتوى ضد أرباب السلطة، هذا بالإضافة إلى صدور بعض الفتاوى التي كانت مسوغا لتطبيق المصادرات الجماعية كما في حالات الفتاوى الصادرة لقتال العربان، أو ضد أهالي البلاد الثائرين ضد أرباب السلطة، أيضا جاء تأثر أسعار السلع كأحد الآثار الاقتصادية المترتبة على فتاوى القتل والتكفير حيث الاستعداد للحروب ومن ثم ارتفاع الأسعار، وإجراء عمليات الطرح من قبل الدولة لتجهيز النفقات اللازمة للحروب، وأخيرا تأتي الآثار الاجتماعية ومن أبرزها انتشار مظاهر الفوضى من النهب والسلب و نبش القبور، فضلا عن سيطرة الخوف والفزع على النفوس، وتعطل مظاهر الاحتفال بالأعياد، كذلك كانت سببا في توتر العلاقات الاجتماعية، كما كانت تلك الفتاوى سببا في بروز عامل الشفاعة والوساطة، فضلا عن إثارة خاطر الرعية.
0 التعليقات :
إرسال تعليق