صدر حديثا للدكتورة / سارة العزب حسين عيسى دراسة جديدة بدار عابد تحت عنوان العثمانيون والحملات الصليبية المتأخرة في شرق أوروبا ، والكتاب هو في الاصل عبارة عن اطروحة علمية نالت بها الباحثة درجة الماجستير في التاريخ من كلية الآداب جامعة القاهرة عام ٢٠١٦.
مقدمة الكتاب:
اعتُبر القرنان الرابع والخامس عشر الميلاديان من القرون الصليبية المتأخرة؛ ففي الماضي كانت الحروب الصليبية مقصورة على الشرق الأدنى، أما في أواخر العصور الوسطى فقد بلغت آفاقًا تبعد كثيرًا عن الأرض المقدسة، فامتدت إلى الأناضول وشمال أفريقيا والبلقان وإسبانيا، في شرق وغرب قارة أوروبا كلها، وصارت الحروب الصليبية في هذه الفترة حركة للدفاع لا للهجوم، وخصوصًا أثناء القرن الخامس عشر الميلادي.
يتناول هذا الكتاب الحملات الصليبية المتأخرة في شرق أوربا ضد العثمانيين، ابتداءًا من معركة كوسوفوالأولى1389م وصولاً إلى معركة ڤارنا 1444م، والتي عالجناها في تلك الدراسة بشكل مستفيض، حيث تعد الحملة الصليبية على ڤارنا بداية النهاية للدولة البيزنطية، وتمهيدًا لفتح القسطنطينية عاصمتها على يد السلطان محمد الثاني(الفاتح)، والتي لم يبق من عمر تلك الدولة التليدة سوى تسع سنوات قبل سقوطها وطوي صفحتها، ولقد تبادلت الدول الإسلامية التهاني بمناسبة الانتصار العظيم الذي حققه السلطان مراد الثاني من انتصار كبير في ڤارنا ضد تحالف صليبي يذكرنا بتاريخ الحملات الصليبية الأولى.
اقتضت طبيعة هذا الكتاب أن يتكون من ثلاثة فصول, تسبقها مقدمة وتمهيد ويتلوها جزء خاص بالملاحق, ثم الخاتمة على النحو التالي :
التمهيد, وقد اشتمل على التعريف بميناء ڤارنا القديم, ثم الأوضاع التي ساعدت العثمانيين على التوغل في قلب البلقان.
أما الفصل الأول والذي جاء بعنوان " الصراعات الحربية بين العثمانيين ودول البلقان قبل معركة ڤارنا ", فقد تناول الحديث عن المعارك الحربية الصليبية المتأخرة التي سبقت معركة ڤارنا بأكثر من نصف قرن تقريبًا مثل معركة كوسوفو 1389م, ونيقوبولس 1396م, ومعركتي هرمانستد والبوابة الحديدية 1442م, وكذلك معركة إزلادي 1443م.
أما الفصل الثاني والذي جاء بعنوان " أسباب الصدام بين العثمانيين والصليبيين للاستيلاء على ڤارنا ", فقد تناولت فيه الأسباب الدينية للمعركة, والتي اوضحت الكراهية الشديدة من جانب الأرثوذوكس الشرقيين للكاثوليك الغربيين, وأن فكرة اتحاد المذهبين تحت لواء كنيسة روما, وهي الفكرة التي تبناها الإمبراطور البيزنطي يوحنا الثامن باليولوجوس (1425-1448م) بالاتفاق مع بابا روما إيوجين الرابع, لم تكن لرغبة الاتحاد نفسه بقدر ما كانت في صالح البابوية – إلى حد كبير - في تولي زعامة العالم المسيحي أجمع, وليس للرغبة الدينية الصادقة في تحرير البلاد من قبضة العثمانيين. ثم التطرق إلى الأسباب السياسية التي أدت إلى حدوث المعركة, مع توضيح دور كل قوة من القوات الصليبية المشتركة في الحرب, ومدي عدائها للدولة العثمانية, وبالتالي دخولها في هذه المعركة. واختتمت الفصل بالأسباب الاقتصادية لمعركة ڤارنا, والمتمثلة في العلاقات الاقتصادية بين المدينتين الإيطاليتين المستقلتين (جنوه – البندقية ) من جهة, وبين الدولة العثمانية من جهة أخرى.
أما الفصل الثالث والذي جاء بعنوان " أحداث معركة ڤارنا ونتائجها ", فقد تناولت فيه الأسباب التي جعلت السلطان مراد الثاني يفكر في عقد هدنة مع الصليبيين في مدينة أدرنه العثمانية وخصوصًا بعد تغير الأوضاع العثمانية على الجبهتين الأوروبية والأناضولية( اسيا الصغرى), ثم التصديق عليها في المدينة المجرية سيزجادن في عام 1444م من قبل الملك المجري فيلاديسلاف الثالث, واعتبار هذه الاتفاقية من قبل الطرفين (العثماني – المجري ) بمثابة فرصه لالتقاط الأنفاس وخصوصًا بعد سلسلة طويلة من الصراعات والحروب, ثم نقضها من قبل الملك فيلاديسلاف الثالث والكاردينال سيزاريني, باعتبار أن أي يمين تبذل لكافر تعتبر باطلة, والمقصود هنا (العثمانيون), ثم التطرق للحديث عن نقض الصليبيين الهدنة مع العثمانيين, والغوص في تفاصيل أحداث معركة ڤارنا والقوى المتحاربة, وتقسيمات القوات العثمانية والأوروبية, وتدخل العامل الجغرافي في مسار المعركة, ثم اختُتم الفصل بالحديث عن نتائج المعركة سواء أكانت مباشرة وتتمثل في تأثيرها على القوات المشتركة فيها على الجانبين ( العثماني – الأوروبي ), ثم عرض النتائج غير المباشرة للمعركة على المستويين الداخلي والخارجي على دول شرق أوروبا, وتغيير الوضع الجغرافي للدويلات المشتركة في المعركة, وسقوط القسطنطينية بعد ڤارنا بتسع سنوات لتنتهي أكبر إمبراطورية في ذلك الوقت على يد العثمانيين في عام 1453م
0 التعليقات :
إرسال تعليق