الأربعاء، 6 مارس 2024

للتحميل PDF | مملكة قبرص اللاتينية بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي (تكملةالحروب الصليبية) ، المؤلف الدكتور / محمد عبد الحفيظ فرشوخ ، دار النفائس ، 2000.

للتحميل PDF | مملكة قبرص اللاتينية بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي (تكملةالحروب الصليبية) 588 -895 هجري / 1192- 1489 ميلادي ،  المؤلف العميد الدكتور الركن  / محمد عبد الحفيظ فرشوخ ، دار النفائس ، بيروت 2012. 

عدد الصفحات : 587




نبذة عن الكتاب ومحتواه : 

تقديم الكتاب للأستاذ الدكتور أحمد حطيط 

ليس الدافع إلى وضع هذا المؤلف هو الرغبة، فقط، في سد النقص الذي تعانيه المكتبة العربية حول تاريخ جزيرة قبرص في أواخر القرون الوسطى، وما تشكله من نقطة وصل، وربما قطع أيضا، بين العالم العربي الاسلامي وأوروبا، بالنظر الى ما بين سكان هذه الجزيرة والعرب والمسلمين من أواصر التاريخ والجغرافية والحضارة والثقافة، بل الرغبة في الاسهام بخدمة علمية في فحص مزاعم الغرب الذي دأب على تشويه صورة الشرق الاسلامي المصلحة أهدافه التوسعية. وثمة حقيقة مفادها أن الصراع على جزيرة قبرص لم يكن وليد ظروف فترة الدراسة التي أعدها الصديق الدكتور محمد فرشوخ، فقد تطلعت أنظار الغرب والشرق الى الجزيرة منذ أمد بعيد، وتعود جذور الصراع بينهما عليها إلى عصور موغلة في القدم، ليتبلور هذا الصراع في العصر البيزنطي، حينما أقدم العرب المسلمون، إبان حركة الفتوح، على خوض غمار البحر واستولوا على قبرص، ولو الى حين، في اطار النشاط العسكري للأسطول العربي - الإسلامي في حوض المتوسط مخترقا السيادة البيزنطية التقليدية على هذا البحر، ثم استقرت الجزيرة، بعد هذه الواقعة، ولأمد طويل بيد البيزنطيين، إلى أن انتقلت إلى اللاتين، عام 1191م، حين انتزعها ريتشارد قلب الأسد، ملك انكلتراء من إسحاق كومنين المتمرد على البيزنطيين، وباعها للداوية، إحدى المنظمات العسكرية التي شاركت بفعالية، في حروب الفرنج في الشرق، لتنتقل الجزيرة، بالشراء، بعد أقل من سنة واحدة، إلى أسرة لوزينيان اللاتينية، فأقامت فيها مملكة استمرت نحو ثلاثة قرون من الزمن. 





















ومع ذلك، فإن السيطرة الأوروبية على جزيرة قبرص لم تقم حواجز بينها وبين الجوار الإسلامي، فالعلاقات التجارية وكتب الرحالة، وكذلك المصادر المعاصرة اللاتينية والاسلامية تشي بالكثير من أخبار التواصل الانساني بين الطرفين المتجاورين. لقد واجهت الباحث عند شروعه باعداد كتابه الموسوم بـ " مملكة قبرص اللاتينية بين الشرق الاسلامي والغرب الأوروبي - وهو موضوع ينفر منه الكثير من الباحثين - مصاعب جمة منها ندرة المعلومات المتعلقة بأحوال جزيرة قبرص في الفترة الزمنية للدراسة الممتدة ما بين عامي 1192 و 1489، وخصوصا المصادر العربية والاسلامية؛ فما كتب عن تاريخ قبرص آنذاك، انما وضع، بمعظمه، باللغة اللاتينية، ما يعني أن ما كتب في هذا الموضوع قد تم من وجهة نظر غربية عموما، الأمر الذي يعطي لكتاب الدكتور فرشوخ مبرراته العلمية، مع الملاحظة أن تاريخ قبرص ارتبط في معظم أطواره بتاريخ الأقطار المجاورة لها في حوض المتوسط، ما يستلزم دراسة كاملة لتاريخ المنطقة المذكورة، وهذا ما تنبه له الباحث، فوضع جزيرة قبرص في نصابها الجيوسياسي، بلباقة ومهارة نادرتين، وأوفى الموضوع حقه من دون أن يثقل كاهل البحث بمتاهات التشعب والاستطراد. توزع كتاب الدكتور محمد فرشوخ في مقدمة وبابين اثنين، احتوى كل من البابين على أربعة فصول، بالاضافة الى خاتمة وستة ملاحق، فضلا عن فهرسيين علميين أحدهما للأعلام والآخر للأماكن.













تناول الباحث في الباب الأول التاريخ السياسي المملكة قبرص اللاتينية، منطلقا من خصوصية جغرافية جزيرة قبرص ومكانتها الاستراتيجية في حوض المتوسط، ودرس ظروف قيام مملكة للاتين فيها، وتوقف عند علاقاتها بالغرب الأوروبي وبدولة المماليك في أواخر القرون الوسطى، متتبعا تطورها الى حين استيلاء العثمانيين عليها عام 1571م، وأفرد الباب الثاني للجوانب الحضارية المملكة قبرص، فدرس نظمها السياسية والعسكرية والادارية والاقتصادية والاجتماعية، وفاقا لما هو معمول به في النظام الفيودالي الأوروبي. تجنب الباحث الأفقية السردية، وتكرار الإشارة إلى الأحداث والوقائع المعروفة لدى الباحثين في تاريخ قبرص اللاتينية، ولم يقرأ التاريخ رواية، كما فعل جيل كبير من المؤرخين العرب والمسلمين، وإن فرض عليه السياق التاريخي ذلك، في غير موضع من الكتاب، وخصوصا في فصول الباب الأول، وكذلك عند حديثه عن تطور جزيرة قبرص من الفتح العربي إلى العهد الأيوبي، وعلاقات قبرص مع بيزنطية إلى حين انتقالها إلى السيادة اللاتينية، ليكون العرض التاريخي ممهدا لقراءة فاحصة ومدققة لهذه الوقائع التي استفاها من المصادر الموثوقة والمراجع المعتمدة، فقارب الحقائق، في ما يتصل بحروب الفرنج في الشرق، وانعكاساتها على العلاقات بين جزيرة قبرص وجوارها العربي - الاسلامي بعقل هادئ وروية تتسم بسعة الاطلاع معتصماً بالموضوعية الواجبة في البحث العلمي. وقد تميز كتاب الدكتور فرشوخ بمنهج علمي قوامه العرض والدراسة والتحليل والوزن والتعليل والربط والاستنتاج، يذوقه أسلوب يتصف بالرصانة والانسياب، دونما تكلف أو صنعة، ما يجعل القراء بأنسون اليه، ويقبلون عليه مهما اختلفت حظوظهم من الثقافة، وأياً كانت ألوانهم من المعرفة.










وبعد ما الذي يمكن أن تخرج به من قراءة هذا الكتاب؟ فلتن كنت أميل الى عدم مصادرة استباقية لحق القارئ في مقاربة ممتعة ومثيرة للمسائل التي عالجها الصديق الدكتور محمد فرشوخ والاستنتاجات التي توصل اليها، وهي كثيرة، فاني أود أن أشير إلى أن ثمة اهتمامات في الكتاب كثيرة ومتنوعة، تجعل منه دراسة تاريخية وحضارية القضايا شائكة تتصل بالعلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى، لما تدل ما تستحقه من عناية الدارسين عالجها الباحث بروح علمية، ونظرة شمولية، معولا، في ما توصل اليه على قراءة معاصرة للأحداث التي درسها، لصلتها بأحداث كبيرة نعيشها اليوم، تتحكم في العلاقة بين العرب والمسلمين من جهة والغرب من جهة ثانية، ما يجعل الكتاب جديرا بالاهتمام.





 بيروت في 19 آب (أغسطس) 2011 


أحمد حطيط














مقدمة المؤلف  : 

في أواخر القرن الخامس الهجري / الحادي عشر ميلادي، انطلقت الحملات الصليبية من الغرب الأوروبي المستيقظ حديثاً، إلى الشرق الإسلامي المترهل بالترف والاتساع والتناحر والدويلات المتعددة. خرج الغرب عن طور القرية والجهل والفقر والخصومات والنزاعات الصغيرة وخطا النظام الإقطاعي الفيودالي خطواته الأولى واستيقظ لتخرج من صفوته طبقة الفرسان تؤازرهم طبقة الكهان، مما ألهب الجماهير حماسة، رفعت شعار الدين وحملت في طياتها أحلام الكثيرين. أخبار ألف ليلة وليلة تثير حماسة الغرب وتفتح أمام المغامرين أبواب المجد والثروة والسلطة. كانت الخلافة العباسية تحتضر في ذلك الوقت، لم يبق منها إلا إسمها ولا تسيطر على الرغم من اتساع رقعتها إلا على بغداد العاصمة ومساحة قليلة . من جوارها. الخليفة أسير القادة النافذين، وعندما يقف ليمارس حقه يطاح به ويخلفه خليفة صغير ويقرأ الحاضرون آية: قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء، إنها سياسة " مات الملك عاش الملك السائدة أبدا. وفي الوقت ذاته وفي أسية الصغرى، يعتري الأمبراطورية البيزنطية، الخصم التاريخي للدولة العباسية مرض الشيخوخة ذاته، والأسرة الأمبراطورية لا تعي ما يحاك لها ولا تصدق أن نهايتها قد اقتربت وعلى يد من يفترض أنهم قدموا من الغرب المؤازرتها في حروب إنقاذ الديار المقدسة في فلسطين، ولإعادة سوريا إلى أحصان جدهم هرقل من جديد.













في تلك الظروف الدقيقة، نشأت مملكة قبرص اللاتينية، ظروف استثنائية وعصر غير عادي اعترته المتغيرات والتحولات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوبا. نشأت مملكة قبرص اللاتينية في وقت كان الشرق الأقصى يشهد هو الآخر تحولات جذرية ليقذف بعد أقل من مئة سنة حممه وجحافله باتجاه العالم القديم، فيدمر الممالك ويجتاح الحضارات، يطفئ جذوة مشاريع ويفتح الطريق أمام مشاريع أخرى. الأيام تمر، عروش تسقط وعروش تنهض لتشهد لابن خلدون بصدق ما قاله حول الحضارات التي تولد وتشب وتشيخ وقد تموت العبد المملوك الشجاع يصبح فارساً فأميراً فقائداً وربما سنحت له من الزمان فرصة ومن الحظ التفاتة، فإذا به يتربع على كرسي مولاه، ومن كانت أهدافه الثروة والسلطة نالها بسرعة وصارت نهايته أسرع. وإذا كانت أهدافه أسمى فلربما قاده القدر إلى التربع على عرش السلطنة ليكون له الفعل وللخليفة العباسي الاسم والرسم. ما كان لمثل هذا السلطان أن يصل إلى ما وصل إليه لولا أن أبواب الدولة العباسية قد تحطمت، ومدنها اجتيحت ونساؤها ترملت كثيراً ما يكون الخصم الأند مثله كمثل المبرد يحد النصل الذي يحتك به. الحروب الصليبية حملة تلو الحملة، تفعل فعلها في الشرق، أصحاب جدد للأرض وحكام غاية في الصلابة، فتحت أمامهم أبواب كل شيء، من البلاد إلى العباد الثروة والمجد والسلطة، مهورها القتال حتى ولو أدى إلى الموت. وإذا بعنوان جديد يسري بين قادة الإفرنج أسرع من الجياد المرسلة، إما الحياة بشرف أو الموت ببسالة. يمرون بظروف أقل ما فيها القهر والعذاب، ثم تأتي النجدة من الغرب وفي طليعتها التيجان، يرقدهم الفرسان، فيسجلون متعاضدين نصراً مرحلياً تليه هدنة مؤقتة وهكذا إلى أن تأتي النجدة التالية. 
























في هذه الأثناء، كانت قوافل المهجرين والمنكوبين المسلمين تخرج من الرها وأنطاكية وطرابلس وفلسطين، وأخبارهم ومآسيهم تملأ أسماع الأمة في كل مكان. ينشأ حيل بعد جيل، من أواخر القرن الحادي عشر الميلادي حتى منتصف القرن  الثاني عشر، بعضه يعتريه اليأس فيغرق في اللهو والترف وبعضه الآخر بعد العدة للجهاد. الدعاة يملأون المساجد والمدارس ويلهبون نفوس الشبان بالإيمان وحب الشهادة، والمبشرون في أوروبا يقومون بالدور ذاته، لكن بطقوس أخرى ولغات عدة وأساليب مغايرة. تشهد أواسط القرن الثاني عشر، الذروة بين المدرستين والنهجين والعالمين تسقط إمارة الرها الفرنجية، ويتراجع الإفرنج من عمق البر الإسلامي المترامي إلى السواحل الشرقية للمتوسط وإلى الجبال الداخلية التي تشرف عليها، ويتم صلاح الدين ما بدأه نور الدين من فتوحات، ويتقرر مصير بيت المقدس في معركة حطين عام 583هـ / 1187م.























 يشتعل الغرب حماسة من جديد، وتنطلق منه جيوش ثلاثة، واحد براً واثنان بحراً لاسترداد بيت المقدس، جيش ألماني جرار بمئة ألف أو يزيد، يرجف منه البر وتخفق من خشيته القلوب على رأسه الامبراطور فردريك برباروسا، يبلغ أنطاكية، فإذا بالأرض تأكله قبل أن يبلغ هدفه ولا يصل منه إلى فلسطين إلا المئات. وجيشان متحالفان الدودان إنكليزي وفرنسي، يستردان عكا والشريط الساحلي من المسلمين ويعيدان المستعمرات إلى شيء من سابق عهدها. ويعود الملك فيليب أوغست إلى فرنسا ويعجز ريتشارد قلب الأسد عن استرداد بيت المقدس، وتستعجله ظروف إنكلترة للعودة إلى بلاده فيعقد مع صلاح الدين صلح الرملة سنة 588هـ / 1192م، ليدخل الشرق الأدنى إلى المرحلة الثانية من الحروب الصليبية مرحلة توازن القوى والحروب الصغيرة. في هذه اللحظة، تولد في الشرق دولة لاتينية جديدة هي موضوع هذا البحث ولدت من رحم الأحداث الجسام وفي جزيرة لم تعرف الأمن والسلام، نشأت مملكة قبرص اللاتينية على يد بارون فرنسي ملك القدس بسرعة وخسرها بسرعة، قاد جيش الإفريج في حطين، وخسر ملكه في بيت المقدس وكل فلسطين، أمره صلاح الدين ثم اعتقه، أملاً في أن يستفيد منه بعد ذلك لوضع حد لماسي الشعوب وإيقاف الحروب. اشترى البارون جي دو لوزيدان جزيرة قبرص من الملك الإنكليزي ريتشارد قلب الأسد سنة 588هـ / 1192م، وانطلقت مملكة قبرص اللاتينية بعده وعلى يد أخيه عموري، واستمرت تحت حكم أسرتهما حتى سنة 895هـ / 1489م حين ضمتها جمهورية البندقية إلى مستعمراتها. 





















من الأهداف البعيدة لهذا البحث: إطلاع شريحة واسعة من القراء على بحث متكامل عن قبرص اللاتينية، وليس على بضعة كتب قد تترجم المؤرخين غربيين. ولفت الانتباه إلى أهمية جزيرة قبرص الأرثوذكسية الانتماء الغربية التوجه، وهي بقعة استراتيجية في قلب العالمين العربي والإسلامي وتصويب حقائق تاريخية وتدقيقها بحيث تتجرد من تعصب بعض المؤرخين ومعاداتهم لكل ما هو شرقي أو عربي أو مسلم والإثبات بالبراهين، أن أعداء قبرص اللاتينية لم يكونوا دوماً من العرب أو المسلمين بل حتى من الفرنج والأوروبيين. وأما الأهداف الأكاديمية المتوخاة من هذا البحث فهي: هل كانت هذه المملكة صدفة تاريخية؟ أم كانت سياسة ونهجا ؟ وهل دامت ثلاثة قرون إلا قليلاً عبثاً ودون أن تترك أثراً ؟ أم أن أثارها وعبرها لا تزال ماثلة إلى الآن في الأذهان؟ ماذا كان دورها الذي رسم لها ؟ وهل أنت هذا الدور بنجاح؟ هل كانت عدواً دائماً ولماذا ؟ هل تخلل تاريخها فترات من التعاون والتفهم؟ ما هي العوامل التي أدت إلى استمرارها ردحاً من الزمن؟ وما هي الأسباب التي جعلتها تغيب وكأن ماء شرقي البحر المتوسط غسلت كل شيء وأعادت الجزيرة إلى أهلها الإغريق ؟ إشكاليات تحتاج إلى إجابات شافية، وقضايا يجب أن ترفع ظروفها مجدداً من عمق التاريخ إلى سطح الحاضر حتى نفهم أسباب بعض القرارات المصيرية التي اتخذت في حينه فأدت إلى زوال ملوك وممالك، أسئلة من ضمن استفهامات عديدة ستحاول النقصي عنها وبحث دوافعها وظروفها علنا نميط اللثام عن حقائق، بعضها معروف، وكثير منها يحتاج إلى سير وتحقيق وتدقيق، والله الموفق.













وقع الإختيار على هذا البحث على صعوبته وإتساعه، لأهميته التاريخية لولاً، ولأن موضوع قبرص اللاتينية في العلاقات، وخاصة مع الشرق، لم يتطرق إليه لحد من الباحثين العرب أو الأجانب بصورة متكاملة. وقد سبق لعدد من المؤرخين المحدثين ، في سياق كتاباتهم في التاريخ الإسلامي العام أو في تاريخ المرحلة المملوكية تحديداً، أن تعرضوا لجوانب من العلاقات بين قبرص من جهة وبين جيرانها العرب أو البيزنطيين أو الترك، بالإضافة إلى علاقاتها مع الغرب الأوروبي، ومن هؤلاء المؤرخين: عزیز سويل عطية ونقولا زيادة وسعيد عبد الفتاح عاشور وأحمد حطيط وإبراهيم الطرخان، ومحمود سعيد عمران، ... 





















وكذلك حال الذين كتبوا في هذا الموضوع من غير العرب ومنهم: J.F. Michaud, J. Hackett, Jeffery George, W. Heyd, Charles Mills, Steven Runciman, J.Prawer, Peter Edbury, Jonathan Riley Smith, J.Richard, K.Setton, Nicholas Coureas إهتم بعضهم النشاطات السياسية عموماً أو التجارية أحياناً، أو بدراسة متخصصة في سياق بحوث بنواح محددة من تاريخ قبرص اللاتينية إما عرضاً، خلال بحث تاريخية تخدم هدفاً علمياً محدداً، لكن جل دراساتهم لم تتعرض مباشرة لدور مملكة قبرص اللاتينية وعلاقاتها بين الشرق والغرب، بصورة شاملة واقية، مع ما يلزمها من العرض والتحليل الدقيقين. وقد برع الكونت لويس دو ماس لاتري C. . De Mas Latrie في القرن التاسع عشر، في جمع وثائق أصلية لتاريخ المملكة في ثلاثة مجلدات. وكذلك جورج هيل Sir George Hill الذي أنجز في الأربعينات من القرن العشرين أربعة أجزاء حول تاريخ قبرص منذ أقدم العصور وحتى الاحتلال البريطاني، لكن شمول بحوثهما حال دون التطرق بعمق إلى موضوع العلاقات والنظم الإدارية والسياسية. وعليه فإن أياً من الباحثين أنفي الذكر لم يقم حسب ما وصل إليه إطلاعي بدراسة تاريخية مركزة ووافية المملكة فرص اللاتينية منذ نشوتها وحتى زوالها. 















ولعلاقاتها مع الشرق والغرب. إذ بقيت نقاط عديدة لا تزال بحاجة للبحث والتدقيق، ستظهر في سياق البحث ونذكر خطوطها العريضة ان الموضوع برمته لا يزال في بداياته لدى الباحثين والقراء العرب على السواء، على الرغم من قرب الجزيرة القبرصية من الوطن العربي والشرق الإسلامي. والضرورة تقضي يبحث تفاصيله بعمق وموضوعية، ومن يدري، فقد تطفو قضية عربية قبرصية على سطح الأحداث من جديد وفي أية لحظة، ومن لم يتعظ من التاريخ قد يسقط في وحل جهله. أن بعض المؤرخين الغربيين على الرغم من دراساته المستفيضة، لم يتمكن من مقاربة موضوع مملكة قبرص اللاتينية من زاوية مجردة وغير منحازة، ما يدفع إلى توضيح بعض الملابسات والمواقف بموضوعية وليس بمقابلة الانحياز بانحياز مضاد بل بإزاحة الغبار التعصبي والعصبي والدعائي الديماغوجي عن مفاصل تلك المرحلة وكشف الحقائق السياسية والاقتصادية والطموحات الشخصية التي كانت الأساس في اتخاذ القرارات المصيرية والتي حددت مسار الأحداث وحملت سكان المنطقة وشعوبها آثاراً دامية لا يزال بعض شرها وشررها يتفاعل إلى يومنا هذا. مهما بلغت دقة المؤرخين الغربيين في تاريخ المرحلة موضوع بحثنا، فإن للباحث العربي درجة متقدمة على الأجنبي، لأنه يتقن لغة الخصم الأهم للملكة اللاتينية، ويمكنه أن يغوص أكثر في المصادر العربية التي تناولت موضوع قبرص اللاتينية، كما أن الأرض أرضه وبإمكانه أن يتقصى من المعالم المندثرة والآثار الباقية ما يعجز عنه القادمون من بلاد أجنبية ولو أتقنوا اللغة العربية الفصحى. ما يعينه على إضافة بعض المعلومات وتوضيح بعض المواقف حتى ولو كانت تفصيلية. 

















أما المنهج الذي اعتمدته، فقد حتمه على موضوع البحث، والدروس التي استقيتها من الدين عرضوا له من قبل، فأثرت الابتعاد ما أمكنني عن الوصيف والسرد، واعتماد المنهج المقارن مطلعنا بالوصف والتحليل سبيلاً المقاربة الأحداث التاريخية، وكان لا بد من السرد أحياناً كيف لا والبحث شبه موسوعي، يتناول 297 سنة متأججة ومفعمة بتفاصيل مثيرة. لم يجر للعمل بالسهولة المأمولة إذ اعترضته صعوبات أكاديمية وإدارية جعلته يستغرق ست سنوات، كان علي قبل الشروع بالعمل أن أراجع مئات المصادر والمراجع، كان بعضها صعب المنال، وكانت بعض الفصول تضطرني التأخير تحريرها سنة أو يزيد قبل أن تجتمع عناصرها. ولم تكن المصادر العربية وحدها كافية لإلقاء الضوء الكامل على الموضوع ، فالمعلومات العربية المعاصرة القبرص اللاتينية عن أوضاع الجزيرة وعلاقاتها شحيحة. أما المصادر الأجنبية فقد كانت مبعثرة في المكتبات الأوروبية والأميركية وخاصة القديم منها، وكان بعضها مفقوداً أو يكاد، وقد أعانني ولدي عبد الحفيظ بصبر ودأب كبيرين في البحث عنها، فعثرنا بفضل الله على أغلبها، إلا بعض المصادر الأجنبية الثانوية مما اضطرني للاستعانة أحياناً بالمرجع الأجنبي المناسب. ومع ذلك فقد كان العزم معقوداً على الخوض في هذا العمل في سباق مع العمر وبكل صبر وجلد، لتقديم مستند أرجو أن يكون وافياً بقدر الإمكان، فيسد فراغاً ولو صغيراً في المكتبة العربية ينفض الغبار عن مقولات وأفكار، ويفصل بين الزبد والغث والسمين، ويسلط الضوء على الجوار، موضحاً قضايا تهم قبرص والعالم العربي أمس واليوم وربما غداً ، من يدري.... 






















واعترف أخيراً أن في تاريخ مملكة قبرص اللاتينية، من القضايا التفضيلية والجانبية ما يحتاج إلى المزيد من البحث والتقصي في وثائق الفاتيكان وبلديات المدن التجارية الأوروبية وفي طيات المخطوطات العربية المبعثر منها والمخفي في أماكن كثيرة، فلربما كشفت والأيام القادمة عن مزيد من الحقائق التاريخية، لكني أعتقد بأن ذلك لن يمس جوهر البحث ولا حقيقة مضامينه الأساسية، وأرجو أن يشكل لبنة أساسية ونقطة ارتكاز وقاعدة الطلاق لبحوث أخرى تستند إليه، تأخذ منه وترد عليه. ولا بد لي قبل عرض الكتاب من أن أتقدم بالشكر إلى الأصدقاء الذين لا يسعني ذكرهم جميعاً بالإسم، والذين شجعوني واستحثوني على متابعة هذا البحث وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور الصديق أحمد خطيط الذي لم يبخل على بالنصيحة ولم يمنعه الود ولا الصداقة من توجيه النقد الجاد والملاحظات البناءة دونما تردد. كما أذكر بالخير الأهل والأصدقاء، من لبنان وسوريا ومصر وفرنسا، الذين بذلوا جهودهم لتقديم المساعدة بأشكال شتى ومنها تأمين عدد من المصادر والمراجع النادرة، وأخص بالذكر والشكر زوجتي الحبيبة وأولادي الأعزاء عبد الحفيظ وسارة وهادي الذين تفانوا في دعمي بكل الوسائل ووقفوا، رغم مشاغلهم، إلى جانب زوج وأب في ظروف دقيقة حرجة، وجعلوا من هذا البحث رهاناً شخصياً وقضية محورية.


 المؤلف




















الرابط 













اضغط هنا 














اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي