السبت، 20 يوليو 2024

للتحميل PDF | الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي - ماليز روثفن ، ترجمة سامي كعكي ، أكاديميا انترناشيونال ، 2007.

 للتحميل PDF | الأطلس التاريخي للعالم الإسلامي - ماليز روثفن ، ترجمة سامي كعكي ،  أكاديميا انترناشيونال ، 2007.

عدد الصفحات : 200






نبذة عن الكتاب

قلما يمر يوم، منذ الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001، إلا ويُذكر فيه الإسلام دين ما يقارب خمس نـ البشرية، في وسائل الإعلام في ذلك اليوم، خطف إرهابيون أربع طائرات ركاب أميركية وصدموا بها برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون بالقرب من واشنطن، مما أدى إلى مقتل زهاء ثلاثة آلاف شخص، ودفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى إعلان ما يسمى «الحرب على الإرهاب». التي أسفرت حتى الآن عن القضاء على حكومتين 1 إسلاميتين، واحدة في أفغانستان والأخرى في العراق وهكذا برز الإسلام فجأة، في كل أنحاء العالم - موضوعاً للتحليل والنقاش واتسمت السجالات على أعمدة الصحف كما في استديوهات الأخبار، في المقاهي كما في البيوت بالحدة والسخونة والأسئلة - التي كانت تدور فيما سبق داخل أروقة المؤتمرات الأكاديمية وندوات التخرج الجامعية، دخلت الآن في صميم الهموم السائدة للوعي العام: ما هي شرعة - الجهاد»؟ وكيف حدث أن صار «دين مسالم» ينتسب إليه ملايين المؤمنين العاديين والمحترمين أيديولوجيا للحقد والكراهية لدى أقلية ساخطة؟ ولماذا أضحى الإسلام بعد سقوط الشيوعية مشحونا هكذا بالحدة الانفعالية؟ أو إذا ما شئنا استخدام عنوان مقالة لاقت رواجاً واسماً لعميد المستشرقين، برنارد لويس: «ما وجه الخلل الحاصل في التاريخ الإسلامي ب 1 في علاقته بنفسه كما في علاقته بالعالم الحديث؟






 أسئلة من هذا الضرب لم تعد بعد الآن أكاديمية بحتة، بل أضحت على درجة كبرى من الأهمية وموضع أخذ ورد بالنسبة لمعظم الأمم والشعوب على سطح كوكبنا هذا. فالإسلام، أو قل بعض التنويعات سواء أكانت مشوهة، أم منحرفة، أم فاسدة أم رهينة أناس متطرفين - بات اليوم قوة يعتد بها، أو على الأقل سمة تلصق بظاهرة حبلى بإمكانيات منه واحتمالات بالغة الخطورة. قبل 11 أيلول / سبتمبر وبعده، وقعت العديد من الفظاعات والأعمال الوحشية التي نسبت إلى متشددين إسلاميين، أو التي اعترفوا هم أنفسهم بمسؤوليتهم عنها، فأوقعت الأذى الفادح والدمار الشديد بالعديد من مدن العالم ومنتجعاته السياحية، نذكر منها: نيروبي دار السلام، مومباسا، الرياض، الدار البيضاء بالي، تونس، جاكارتا، مومباي (بومباي) ومدريد. اللائحة تطول، وحجم الإجابات أخذ بالارتفاع، فيما يكتنف الغضب والحيرة ردود فعل الشعوب وحكوماتها. 






وأحسب أن التداعيات البعيدة المدى الردود الفعل هذه على السلم والأمن الدوليين كافية لإقناع كل فرد منا وليس فقط محرري وسائل الإعلام الذين يقولبون وعي الجمهور بما يلائم أولويات المعلنين لديهم)، أن المظاهر المتطرفة للإسلام هي من يضع أجندة النقاش وجدول الأعمال في القرن الحادي والعشرين. إن المسلمين الذين يقيمون في الغرب، أو في تلك المناطق الآخذة بالاتساع من العالم الإسلامي التي تغشاها المؤثرات الإلكترونية للغرب، ليشعرون بالامتعاض من التعرض السلبي لهم، هذا التعرض المصاحب عادة للقلق المتزايد من الغرباء الطارئين. 











إن الإسلام دين سلام: فلفظة «إسلام» التي تعني حرفياً التسليم لأمر الله)، تتصل من الوجهة الاشتقاقية بعبارة «سلام» التي تفيد السلم والصلح والتحية المتعارف عليها التي يستخدمها معظم المسلمين لدى انضمامهم إلى تجمع ما، أو حتى لدى التقائهم بغرباء عنهم، هي: السلام عليكم. يمكن القول إن الغربيين امن يتهمون الإسلام بأنه دين عنف يجهلون حقيقته. وإلصاق النعت «مسلم» أو «إسلامي» بأعمال الإرهاب ينطوي على ظلم وافتئات شديدين. حين أقدم مهووس مسيحي ذو ميول يمينية كتيموثي ماكفاي على تفجير مبنى فيدرالي أميركي في مدينة أوكلاهوما، وكان أسوأ عمل فظيع يرتكب على التراب الأميركي قبل 11 أيلول / سبتمبر لم يبادر أحد إلى وصفه بالإرهابي «المسيحي» إن العديد من المؤمنين المسلمين لينظرون إلى الغربيين ممن تخلوا عن دينهم أو أعماهم التحامل الديني، على أنهم أناس لا يفهمون الإسلام حق الفهم. وثمة وسائل إعلامية معادية لا تتورع عن تشويه الآراء الغربية، فتصبغ المشاعر والمواقف بصبغة «الإسلاموفوبيا» (الهلع المرضي من الإسلام)، أو المرادف لمعاداة السامية إنما مطبقة هذه المرة على المسلمين بدلاً من اليهود. 









بعض الدارسين ممن تدرجوا في الأكاديميات الغربية متهمون بأنهم يرون الإسلام من خلال العدسات المشوهة للاستشراق، ذلك العلم الذي تطرق إليه الفساد نظرا لارتباطه بالإمبريالية، حين كانت المعرفة المتخصصة مسخرة لخدمة القوة والنفوذ الاستعماريين. هذا مجال محفوف بالمخاطر ومتنازع عليه، ومن يغامر بدخوله من الكتاب إنما يُعرض نفسه للخطر. فأي تعميم بشأن الإسلام، مثله مثل أي دين آخر، يكون عرضة للنقض والدحض، لأن مقابل كل وصف معياري للإيمان أو الاعتقاد أو السلوك الإسلامي توجد تنويعات مهمة وفروق ذات شأن. وتزداد معضلة التعريف صعوبة لعدم وجود مؤسسة « كنسية جامعة أو « باباوية إسلامية تتمتع بسلطة أمرية تفصل في ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي (حتى الكنائس البروتستانتية تميز مواقعها الدينية بالتغاير وأحياناً بالتضاد مع الكاثوليكية الرومانية).








والهوية الإسلامية، شأنها شأن الهوية اليهودية تشمل السلف كما تشمل المعتقد. فمن يسمون مسلمين إنما يمارسون دينهم بطرق مختلفة. فبوسع المرء أن يكون مسلماً من الوجهة الثقافية، تماما مثلما يستطيع المرء أن يكون يهودياً بالمعنى الثقافي من غير أن يتقيد بمجموعة معينة من الفرائض أو المعتقدات الدينية. وإننا لا نجانب الصواب إذا ما وصفنا العديد من الأميركيين والأوروبيين غير المتدينين بـ«المسيحيين الثقافيين»، نظراً للأهمية التكوينية التي كانت للمسيحية في تطور الثقافة الغربية. وحقيقة أن هذه التسمية نادرا ما تستخدم – هذا إذا ما استخدمت أصلاً - لتكشف عن مدى الهيمنة الثقافية ا الغربية وطموحها إلى تبوء سدة العالمية. إن الأساس المسيحي للثقافة الغربية هو من البداهة بمكان بحيث لا يُجَشم أحد نفسه عناء إبرازه للعيان. وفي الوقت عينه، لطالما انتحلت لفظة «مسيحي» من قبل الأصوليين البروتستانت الذين يسعون جاهدين إلى تمييز أنفسهم عن الإنسويين العلمانيين أو المؤمنين المتدينين على السواء، ممن لا يشاطرونهم نظرتهم العامة إلى الأمور. ثمة مشاكل مماثلة بصدد التعريف تسري على العالم الإسلامي كذلك فكما أن هناك تباينات وفوارق لاهوتية ما بين الكنائس المسيحية المختلفة حول شتى المسائل الإيمانية والطقسية، كذلك تقوم داخل حظيرة الإسلام جماعات وطوائف وملل تختلف فيما بينها لجهة الطقوس المتبعة أو تقاليد كل منها في التأويل والممارسة. ومن بين أكبر النحل في الإسلام، هناك تاريخياً طائفتان تعدان أهمها على الإطلاق، هما: السنة والشيعة.








 يعتقد الشيعة أن النبي محمد (نحو 570-632) وقبل وفاته بوقت وجيز، اختار علي بن أبي طالب، ابن عمه وزوج ابنته فاطمة، خليفة له. كما أنهم يؤمنون بأن هذه الخلافة تواصلت عبر سلسلة من الأئمة (أو القادة الروحيين المتحدرين من صلب علي وفاطمة الإمام الذي سبقه. والكتلة الشيعية وقد اختار كلا منهم . الأكبر حجماً، وهم الشيعة الاثنا عشريون» أو كما يسمون الشيعة الإماميون»، يؤمنون بأن آخر هؤلاء الأئمة، الذي انحجب» في العام 873، سوف يظهر ثانية بصفته «المهدي المنتظر» في يوم ما من مقتبل الأيام. أهل السنة، من جهة أخرى، يرون أن النبي قد أعطى إشارات كافية على أنه يحبذ الخلافته أحد أصحابه، أبا بكر الصديق (حوالي 632-634)، الذي اتفق أبرز قادة الجماعة على القبول به خليفة بعيد وفاة الرسول. وهو بدوره اختار عمر بن الخطاب ( 64-634)، الذي وقع اختياره، وهو على فراش الموت، وبعد التشاور مع زعماء المسلمين، على عثمان بن عفان (ح 644-656). وقد خلف عثمان علي ( 56 (661) ، ومجدداً بموافقة وقبول قادة المسلمين في ذلك الحين. وفي نظر الغالبية السنية، يمثل هؤلاء الخلفاء الأربعة «الخلافة الراشدة». وعلى مر الأيام، صارت لكل من الشيعة والسنة هوية اجتماعية مميزة لهم. وقد انقسمت هاتان الطائفتان وتفرعتا فروعاً شتى، وانتظمتا في حركات ونزعات مختلفة. ولئن اختلفت هذه وسواها من المجموعات فيما بينها، وكثيراً ما تصارعت حول تفاريقها، إلا أن الاتجاه العام للعلاقات التي سادت المجتمعات الحضرية ما قبل العصر الحديث أفسح في المجال القدر من التعايش المتبادل والحوار الفكري بينها. 












إلا أنه برزت لدى الطوائف المتشددة والجماعات المتطرفة، في الآونة الأخيرة، نزعة إلى لعن الخصوم في الدين وتكفيرهم، أو إلى اتهام من يحكمها بالمروق من الإسلام. غير أن هذا المنظور الضيق الأفق يقابله وعي متنام بين السواد الأعظم من المسلمين بتنوع وتعددية التأويلات داخل الأمة. وجو اللاتسامح البادي للعيان في بعض أنحاء العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، ذو منشأ معقد وقد يكون عرضياً، شأن التطرف الطهراني الذي استفحل في أوروبا القرن السابع عشر من جراء المفاعيل المشوشة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية، وكما ستوضح الخرائط والنصوص فيما يلي من صفحات، فقد جاءت الحداثة إلى العالم الإسلامي على أجنحة القوى الاستعمارية، عوضاً عن أن تكون حصيلة تحولات متولدة داخلياً. فـ خير أمة أخرجها الله للناس كي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فقدت الهيمنة الأدبية والسياسية التي كانت لها ذات يوم في الجزءالأكثر تمدناً من العالم خارج الصين. حين كان الإسلام في طور الصعود والترقي، كذلك كان مناخ التسامح الناشيء عنه فقد كان العلماء والفقهاء المسلمون يتساجلون ويتناظرون فيما بينهم، لكنهم كانوا يحاذرون تكفير كل من ينطق بالشهادة - بما هي الجهر العلني بالإيمان - أو من يقيمون الصلاة ميممين وجوههم شطر مكة. 












ومثلما لاحظ الباحث الأميركي كارل إرنست، فإن «التعددية الدينية، حقيقة اجتماعية في أي مجتمع في عالمنا المعاصر. فإذا ما ادعت جماعة لنفسها السلطة على سائر الجماعات الأخرى، مطالبة إياها بالولاء والطاعة، فسوف يعتبر ذلك تحايلاً للتسلط بواسطة اللغة الدينية المنمقة كارل إرنست أتباع محمد إعادة النظر في الإسلام في العالم المعاصر»، لندن، ص 602]. في المبدأ، وإن لم يكن دائماً في الممارسة، المسلم هو من يتبع الإسلام، اللفظة العربية التي تعني الانقياد أو بمعنى أدق التسليم لإرادة الله كما أوحي بها للنبي محمد، وهذه الموصيات المتنزلة شفاهاً على امتداد فترة نبوة محمد الناشطة، من حوالي العام 610 وحتى وفاته، موجودة كلها في القرآن، الكتاب الذي يشكل أس الدين الإسلامي والنظم الثقافية المتنوعة النابعة منه. وقد تصدى لفيف من الباحثين من ذوي النزعة التصحيحية في الجامعات الغربية للرواية الإسلامية التقليدية عن أصل القرآن زاعمين أن النص قد اقتطع من كتلة أكبر من المواد الشفهية بعد الفتح العربي للهلال الخصيب. غير أن الغالبية العظمى من الدارسين مسلمين وغير مسلمين تنظر إلى القرآن على أنه المدونة الكتابية للتنزيل المتراكم على امتداد مسار الرسالة المحمدية. وخلاف للكتاب المقدس، ليس هناك ما يدل على وجود تصنيف متعدد للقرآن. وعلى النقيض من «العهد الجديد» (الأناجيل) بنوع خاص، الذي جمعت فيه أقوال السيد المسيح في أربع روايات متمايزة عن حياته وبما يفترض معها أنها قد وضعت من قبل مؤلفين مختلفين، فإن القرآن يحتوي على العديد من الإشارات الضمنية إلى حوادث وقعت في حياة الرسول، إنما من غير أن يتناولها بالتفصيل. بل إن قصة المسيرة العملية لمحمد كنبي وكرجل دولة إذا جاز لنا أن نستخدم هنا اصطلاحاً حديثاً لزعيم حركة وحدث قبائل الجزيرة العربية)، قد بنيت من مجموعة أخرى مختلفة من المادة الشفهية، تلك التي تعرف بـ «الحديث»، أي المأثورات والمنقولات عن مسلكية النبي، وهي لم تدون في تصانيف إلا بعد وفاة الرسول. يتألف القرآن من 114 فصلاً تعرف بالسور، وكل سورة تتألف من عدد متفاوت من الفقرات التي تسمى آيات وتعني بالعربية : دلائل أو معجزات). 









وباستثناء السورة الأولى، سورة الفاتحة أو الاستهلال)، المكونة من سبع آيات هي بمثابة ابتهال يتلى في مختلف الشعائر، بما فيها الصلوات اليومية، فإن سور القرآن الأخرى مرتبة بحسب تناقصها في الطول، بحيث تأتي أقصرها في النهاية وأطولها في البداية. ومعظم المصاحف القياسية تصنف السور ما بين سور نزلت في مكة ( وهي تميل إلى القصر، ومن هنا موقعها القريب من نهاية الكتاب ، وسور تعود إلى الحقبة التي أقام فيها محمد في المدينة التي هاجر إليها مع أتباعه الأوائل هرباً من الاضطهاد في مكة عام 622، العام الأول من التقويم الإسلامي (الهجري) السور المكية ولاسيما المبكرة منها، تحمل في طياتها رسائل حية عن المسؤولية الشخصية، وأحاديث عن الثواب والعقاب الجنّة وجهنم)، فيما هي تحتفي من جهة أخرى ببهاء العالم الطبيعي وجماله كدليل على قدرة الخالق العظيمة وجلال شأنه. أما السور المدنية، فهي وإن كررت العديد من الموضوعات ذاتها، إلا أنها تسوق تعاليم إيجابية فيما خص القضايا الاجتماعية والقانونية (بما فيها الأحكام الخاصة بالعلاقات الجنسية والميراث، والعقوبات الموصوفة لبعض أصناف الجرائم). وهذه السور، معطوفة على مواد مستقاة من مأثور الحديث، كانت المصدر الرئيسي لنشوء وتطور النظام القانوني المعروف بـ «الشريعة». وقد أضاف أعلام الفكر الإسلامي على اختلاف مشاربهم مصادر أخرى من عندياتهم، وبذلك أوجدوا المنهجية اللازمة لتنظيم أحكام الشريعة وتطبيقها. بالنسبة للمؤمنين المسلمين، يمثل القرآن كلام الله المباشر، وقد أملاه كما هو من دون أي تحوير أو تنقيح بشري. ويصف بعض العلماء المسلمين المحدثين النبي محمد بالناقل الأمين لكلام الله. 








ومن المعتقد أن النبي نفسه كان أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وإن كان بعض الدارسين يشككون في ذلك على خلفية أنه كان تاجراً نشيطاً.. وناجحاً بالنسبة لغالبية المسلمين القرآن كما دون في المصحف واستقر على ما هو عليه إبان حكم الخليفة الثالث، عثمان بن عفان (644) (656)، «غير مخلوق»، وأزلي من أزلية الله نفسه. من هنا، فإن القرآن بنظر المؤمنين المسلمين يحتل المكانة التي يشغلها المسيح في نظر المسيحيين. فالله يتجلى ليس من خلال بشر ما، بل عبر اللغة الواردة في نص مقدس. إن العقائد الدينية الأخرى، ومنها البوذية، والمسيحية، والهندوسية، واليهودية، والسيخية والزرادشتية، تضفي على نصوصها التأسيسية هالة مقدسة. وقد أخذ الحكام المسلمون بهذا المبدأ المشترك بإبدائهم التسامح الديني حيال أهل الكتاب».




في طوره المبكر، شهد الإسلام توسعاً خاطفاً خارج حدود جزيرة العرب عن طريق الفتح العربي لبلاد الهلال الخصيب وما يليها من ديار في غضون قرن أو نحو ذلك بعد وفاة الرسول في العام 632. وقد تضافر الإيمان بالإسلام وبرسالة النبي السماوية - فضلا عن الرغبة في المغانم - لتصهر القبائل العربية في آلة حربية مهولة. فهزموا الجيشين البيزنطي والساساني، 


وفتحوا شطراً من الأمبراطورية البيزنطية (بلاد الروم). وكامل بلاد فارس أمام الاستيطان الإسلامي في البدء، بقي الإسلام ديناً عربياً» في المقام الأول. إذ عمد أمراء الحرب المسلمون إلى إيواء كتائبهم المقاتلة القبلية في معسكرات كبيرة خارج المدن المستولى عليها، تاركين رعاياهم الجدد من مسيحيين ويهود وزرادشتيين يدبرون أمورهم بأنفسهم ما داموا يدفعون الجزية وهي نوع من الضريبة على الرأس) عوضاً عن تأدية الخدمة العسكرية. أما عملية الأسلمة فقد حدثت بالتدريج من خلال التزاوج، حيث إن أعيان الأسر من سكان البلاد المفتوحة لم تأل جهداً في سبيل الالتحاق بالنخب الإسلامية. كما اتسع نطاق هذه العملية لما وجد الرعايا المعوزون ومقطوعو الجذور سنداً لهم في دين حكامهم الجدد، أو لما عثر المتحررون من سحر حكامهم القدامى على ملاذ روحي يلائمهم في دين يحترم تقاليدهم، في الوقت الذي يقدمون فيه تعاليمهم الدينية في إطار توليفي جديد وخلاق. كما كان دور المبشرين المسلمين الأوائل حاسماً هو الآخر في هذه العملية.









غير أن اللاهوت الإسلامي (علم العقائد أو علم الكلام)، كان له بعد ثقافي اتسم بالدينامية، ولعل هذا بالذات ما يفسر لنا كيف تطور دين «العرب» إلى ديانة عالمية. فقد حمل الإسلام معه، بوصفه دين الكتاب» النموذجي، الذي يمثل كلمة الله مجسدة في نص مكتوب هيبة واحترام التعلم والمعرفة إلى الثقافات الجاهلة. وعلى شاكلة تعريف الاروشفوكو للنفاق، نقول إن عبادة الكتاب لم تكن ولاء الرذيلة للفضيلة، بقدر ما كانت إجلال الجهل للعلم. وأيا كان إدراكنا للوحي تنزيل من عند الله، أم حالة ذهنية متبدلة أشبه ما تكون بعمليات دماغية لنابغة بشري - فإن «معجزة» محمد جاءت على صورة لغة. ومرة بعد أخرى، راحت أقوام البدو الرحل القاطنة عند أطراف الأمبراطورية الإسلامية بالاستيلاء على مراكز القوى عاملة بذلك على تمدين نفسها، ولتغدو من ثم حاملة بدورها لواء النفوذ الثقافي الإسلامي. وإثر تفسخ الدولة العباسية العظمى، لم يعد الحلم بخلافة عالمية تضم مجمل أرجاء العالم الإسلامي لا بل وسائر البشرية في الواقع مشروعاً قابلاً للحياة، فخطوط المواصلات كانت أطول من أن يتمكن المركز من لجم طموحات الأمراء المحليين. لكن هيبة المعرفة، كما كان يرمز إليها القرآن وآياته المنقوشة على جدران المساجد والمباني العامة في لوحات بديعة، ناهيكم عن المصاحف المنسوخة بمنتهى الإتقان، كانت شديدة فعلاً حتى الغزاة المغول، أصحاب السمعة السيئة لما كانوا يتصفون به من قسوة وهمجية، لم يجدوا مناصاً من التسليم بقوة الإسلام الروحية والجمالية في الأجزاء الغربية من البلاد الخاضعة لسلطانهم. ليست الغاية من الخرائط التي يحتويها هذاالكتاب تقديم رواية جامعة وشاملة عن النماذج المتحولة للدولة والسلطة الدينية التي سادت إبان الاندفاع الجارف للتاريخ الإسلامي من زمن الرسول إلى يومنا الحاضر. بل غاية ما تتطلع إليه أن تنير جوانب مهمة من ذلك التاريخ عبر فتح نوافذ صغيرة على نواح بالغة الشأن من التاريخ البعيد والقريب، وبما يساعد على تبيان إرث المشاكل، وكذلك السوانح، الذي ورثه الحاضر عن الماضي. فالجغرافيا عنصر حيوي لفهم التاريخ الإسلام لي وصلته المنطوية على إشكالية بالحداثة.







وكما يتضح من الخرائط التي يضمها هذا الأطلس كان الحزام الأوسط من الأراضي الإسلامية الممتدة من المحيط الأطلسي إلى وادي السند وبشكل دائم تقريباً تحت رحمة الغزاة من البدو الرحل وأشباه الرحل. وفي الأزمنة ما قبل العصر الحديث، أي قبل أن تعمل الأسلحة النارية والسلاح الجوي وأنظمة الاتصال الحديثة على إخضاع مناطق الأطراف السيطرة الحكومات المركزية برعاية استعمارية طبعاً)، كانت المدن عُرضةً للهجمات المتكررة من جانب النهابين البدو. وعبقرية النظام الإسلامي تكمن في أنه زود القبائل المتأسلمة بمنظومات قانونية ومسلكية وتعليمية من ضمن مبادىء الإيمان، وقد تثاقفت معها على مر الزمن.





في مقدمته لتاريخ العالم، وضع فيلسوف التاريخ العربي ابن خلدون (1332 - 1406) نظرية حول التجدد الدوري ونشوء الدول، حلل فيها هذه السيرورة على ضوء ما جرى في شمال إفريقيا المنطقة التي ينتمي إليها. وطبقاً لنظريته هذه، فإن المناطق الجافة أو القاحلة، التي يندر سقوط المطر فيها، تبقى الحالة الرعوية هي النمط الرئيسي للإنتاج الزراعي فيها. والرعاة على عكس الفلاحين ينتظمون ضمن خطوط نسب قبلية أو في مجموعات تربطها علاقات قرابة أبوية). إنهم أحرار نسبياً من سطوة الحكومات، وكونهم يتميزون بدرجة حراكية أعلى من أهل الأمصار الحضر)، فلا يمكن فرض الضرائب عليهم بصفة منتظمة. كما يتعذر إخضاعهم السيطرة السادة الإقطاعيين الذين يستولون على جزء من محاصيلهم لقاء شملهم بالحماية أجل، في المناطق القاحلة، هم رجال القبائل من يكونون مدججين بالسلاح في العادة، وهم من يستطيعون في بعض الأحيان أخذ المدينة رهينة لهم طلباً لفدية أو حتى فتحها عنوة إن نظرات ابن خلدون الثاقبة تخبرنا لماذا يجافي المرء الحقيقة عندما يتحدث عن إقطاع» إسلامي إلا في السياق المحدود والمحدد جداً للأنظمة السائدة في أحواض الأنهار الكبرى كمصر والعراق، حيث تعمل كتلة فلاحية مستقرة في زراعة الأرض. أما في المناطق القاحلة، فينتقل الرعاة بمواشيهم وقطعانهم موسمياً من مكان إلى آخر، وفقاً الترتيبات معقدة يتخذونها مع سواهم من المنتفعين بالأرض. وحق الانتفاع ليس بملكية. فالممتلكات والأراضي هنا لا تحدها حدود مشتركة مثلما أصبحت عليه الحال في المناطق الأوروبية التي تتساقط عليها الأمطار بمعدلات عالية. لقد ضرب الإقطاع، وكذلك فرعه النابت الرأسمالية جذوراً عميقة له في أوروبا وخلق في نهاية المطاف الدولة البرجوازية التي سوف تبسط سيطرتها على الأرياف، وتصبغ الزراعة بصبغة تجارية، وتخضع المجتمع الريفي للقيم الحضرية وقبضة المدينة على العكس من ذلك بقيت شعوب الأطراف في معظم أنحاء غرب آسيا وشمال إفريقيا قادرة على التملص من ربقة الدولة إلى حين مقدم السلاح الجوي وحتى في أيامنا الحاضرة، لم يتحقق ذلك كلياً في بعض الأماكن من أفغانستان، حيث البني القبلية قاومت ولا تزال سلطة الحكومة المركزية. 








وثمة لفظ معبر يستخدمه أهل الحضر المغاربة للدلالة على مناطق البلاد القبلية: إنهم يسمونها بلاد السيبة - أي أرض العجرفة والسفاهة - في مقابل بلاد المخزن»، أي المركز المتمدن، الذي يقع وبصفة دورية فريسة لها تبعاً لنظرية ابن خلدون، فإن تفوق القبائل رهن بـ«العصبية»، تلك العبارة التي تحيل في العادة، على قوة الشعور بوحدة الجماعة أو التضامن الاجتماعي. وهذه العصبية مستمدة، في النهاية، من البيئة القاسية للأرض الصحراوية، أو الأرض اليباب حيث لا وجود إلا اقدر طفيف من تقسيم العمل، وحيث البشر يعتمدون في بقائهم على عرى النسب ووشائج القربي على النقيض من ذلك، تفتقر الحياة المدينية لأية عصبية أو روح تشاركية وغياب التضامن البرجوازي، الذي تسمو بموجبه مصلحة الجماعة النقابية فوق رابطة الدم والقربي، يمكن عزوه، ولو جزئياً، إلى مفاعيل الشريعة الإسلامية إذ بخلاف الأعراف القانونية الرومانية لا تتضمن الشريعة أية أحكام للاعتراف بالجمعية النقابية بوصفها شخصية اعتبارية. في صياغتها الكلاسيكية، تنطبق نظرية ابن خلدون أكثر ما تنطبق على البيئة في شمال إفريقيا البيئة التي يعرفها ويفهمها أفضل من غيرها. بيد أنها تصلح مع ذلك نموذجاً تفسيرياً للتاريخ الأوسع لغرب آسيا وشمال إفريقيا منذ ظهور الإسلام إلى الزمن الحاضر. تقوم النظرية على أساس من التفاعل الجدلي بين الدين والعصبية ومفهوم ابن خلدون هذا للعصبية، الذي يُشكل العمود الفقري لنظرتة العامة إلى التاريخ الاجتماعي والسياسي للإسلام، يمكن تطويعه كي يتماشى والنظريات الإثنية الحديثة، سواء أخذ المرء بالنموذج «البدائي» أو «التفاعلي». وبالوسع إيجاد المبدأ الأساس لنظرية ابن خلدون في أطروحتين له أبرزهما الفيلسوف والعالم الانثروبولوجي إرنست غيلنر بنوع خاص، وهما: 1- «لا تقوم الرئاسة إلا بالغلبة، ولا تقوم الغلبة إلا بالعصبية»: 2- «وحدها القبائل التي تحكمها العصبية قادرة على تحمل شظف الحياة الصحراوية». 








والقوة الغالبة للقبائل قياساً بقوة المدن هي ما وفر الشروط التي مكنت الحكم العسكري السلالي أو بديله الحكم الملكي المدعوم من المؤسسة المملوكية أو العصبية الممأسسة، من أن يغدو النمط السائد في التاريخ الإسلامي قبل التدخل الاستعماري الأوروبي. وغياب الاعتراف القانوني بالجماعة النقابية في الشرع الإسلامي حال دون قيام التماسك الاصطناعي المعهود في النقابات وهذا الأخير شرط مسبق لتطور الرأسمالية المدينية والتجاوز اللحمة «الطبيعية» للقرابة. وقد دأبت التقاليد الثقافية الرفيعة للإسلام في عهود ما قبل الاستعمار الحديث، تتفاعل مع أشكال التضامن البدائي هذه أو العصبيات العرقية، إلا أنها لم تستطع الحلول محلها. رسمياً، الأخلاق الإسلامية تمنع قيام أي شكل من أشكال التضامن المحلي خصوصاً إذا كان يمايز ما بين المؤمنين نظرياً، ثمة جماعة إسلامية واحدة هي الأمة» ، تخضع لمشيئة الله، أما عملياً، فكثيراً ما يصار إلى تعديل أو تحوير هذا المثل الأعلى الإسلامي من خلال التسليم بالحاجة إلى استنفار العصبية أو بـ النعرة القبلية في سبيل الله» . تشدّد الممارسة الإسلامية، ممثلة بالعبادات وغيرها، على قيمة الجماعة وذلك عبر إقامة الصلاة وأداء فريضة الحج بانتظام ومع مرور الزمن، تولدت عن ذلك تقوى كتابية ذات صبغة مدينية، وتقاليد ثقافية رفيعة أو كبرى». غير أن هذه عاجزة بذاتها عن أن تبني جماعة متراصة، مستديمة وقوية بما فيه الكفاية لتتجاوز الدينامية المقابلة، دينامية النعرة المحلية. 









وسواء أكانت هذه النعرة دنيوية، قائمة على الفوارق بين القبائل والقرى أو حتى بين الحرف والمهن أو طائفية، قائمة على الاختلاف ما بين شتى المذاهب الدينية أو الطرق الصوفية التي تحكمها في أغلب الأحيان أسر بعينها أو كان منشؤها الفوارق بين السنة والشيعة، فإن مثل هذه الانقسامات تعمل ضد وحدة الأمة. على نسق الحركة المعمدانية في الولايات المتحدة يشكل الإسلام، ولاسيما التيار السني الغالب الذي يضم حوالي 90 بالمئة من مسلمي العالم، قوة شعبية محافظة، تعارض التزمت العقائدي أو الضوابط الكهنوتية المتشددة. وإذا كانت كتابية الإسلام وروحه العملية الراشدة قد أمدته بلغة مشتركة عابرة للحدود الإثنية والعرقية والقومية، خالقة بذلك أضخم مجتمع عالمي عرفه العالم ما قبل العصر الحديث إلا أنها لم . تنجح قط في تأمين الدعامة الأيديولوجية الأساس لنظام اجتماعي موحد يمكن أن يترجم إلى هوية - قومية مشتركة في الغرب، أوجدت مؤسسات المسيحية - القروسطية، المتحالفة مع البنى القانونية الرومانية - الشروط المسبقة لنشوء الدولة القومية الحديثة. أما في «دار الإسلام»، فإن الأساس الخلقي للدولة ظل باستمرار عرضة للإضعاف والتحريف من جانب واقع العصبية القبلية. كان يمكن التسليم بذلك أمراً واقعاً. إنما يستحيل منحه اعترافاً شرعياً، وربما كان ذلك أحد الأسباب التي جعلت حضارة متقدمة بأشواط على منافستها المسيحية في القرنين العاشر والحادي عشر.










تتخلف عنها في آخر الأمر لتجد نفسها تحت الهيمنة السياسية والثقافية لشعوب كانت تعدها - وما زال بعض أفرادها يعدونها - في مصاف الكفار. كان النظام الإسلامي في الأزمنة ما قبل الحقبة الاستعمارية، والمتجذر إلى اليوم في ذاكرة ووجدان المسلمين المعاصرين على أكمل تهايؤ مع البيئة السياسية لعصره. فحتى استراتيجية الجهاد في سبيل الله»، كانت تعتمد لأغراض ذرائعية، نفعية أو عسكرية فيما كان المستفيد من ذلك هو الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية. وهكذا صار الغزاة البدو والمماليك المستقدمون من مناطق الأطراف لصدهم في مقدمة رجال الإسلام الذائدين عن حياض الإيمان والجماعة، وأبرز حماة ثقافاته ونظمه التعليمية. والذاكرة الاجتماعية لهذا النظام ما برحت تمارس جاذبية شديدة على مخيال العديد من الشباب المسلم في الوقت الحاضر. 












ويصح هذا القول بنوع خاص حين ندرك أن الذاكرة الأحدث عهداً عن التحديث من خلال الاستعمار يمكن تمثيلها كقصة ملؤها المهانة والنكوص، وخيانة رسالة الإسلام لا لشيء إلا لإحلال الحقيقة والعدالة الشاملتين في عالم تمزقه الفرقة والنزاعات. إن العنف الذي ضرب أميركا في 11 أيلول / سبتمبر 2001 قد يكون متجذراً في اليأس المستحكم بأناس يحملون رؤية رومانسية ومثالية عن الماضي فيما هم يتألمون أشد الألم تحت وطأة الإذلال اليومي في الحاضر ولئن كان الذين خططوا لهذه العملية، من دون أدنى شك، أناساً متعلمين ومحنكين، وعلى دراية تامة بأحوال المجتمعات العصرية وسير العمل فيها، إلا أنه ليس بالأمر العرضي البتة أن يكون معظم مختطفي الطائرات الخمسة عشر من التابعية السعودية، وبعضهم من محافظة عسير بالذات هذه المنطقة الجبلية الفقيرة المحاذية للحدود اليمينة الحالية، استولت عليها أسرة آل سعود في عشرينيات القرن العشرين، وهي لا تزال تحتفظ بالكثير من علاقاتها وارتباطاتها بالقبائل اليمنية. كان من شأن المذبحة العشوائية في 11 أيلول / سبتمبر أن تروع ابن خلدون مثل كل كرام الناس قطعاً، لكني أشك في أنها كانت ستفاجئه.



















































الرابط 











اضغط هنا 
















اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي