للتحميل PDF | معجم الإسلام التاريخي ، تأليف البحاثين ج . و د. سورديل ، ترجمة الدكتور أ. الحكيم ، الدار اللبنانية للنشر الجامعي ، لبنان 2009.
Dictonnaire Historique de l'Islam Janine et Dominique SOURDEL
Presses Universitaires dc France, 1996
عدد الصفحات : 1153
نبذة عن الكتاب:
مدخل الترجمة العربية : يمثل هذا المعجم - الموسوعة عصارة الفكر الأوروبي في نظرته إلى الإسلام وحضارته المتعددة الوجوه. صحيح أنه اعتمد المصادر الإسلامية واستقى منها معلوماته ، إلا أنه قاربها بذهنية المتمرس بالبحث المنهجي النقدي العريق في تراث أوروبا. ومؤلفا هذا المعجم التاريخي للإسلام هما من أساتذة جامعة السوربون العريقة ، ومن باحثيها المبرزين الذين وقفوا حياتهم على دراسة الحضارة العربية الإسلامية وعلاقاتها بسائر الحضارات الفاعلة في التاريخ . لذلك، قمنا بترجمة معجمهما بالعربية من دون أي تصرف أو تحريف أو شطط عن الأصل ، تقودنا الأمانة العلمية والإخلاص الحضارتنا . وقد بذلنا قصارى جهدنا لتوحيد النهج والعناية بالصياغة بحيث تأتي عربية صافية. كما عملنا على اختيار المصطلحات العربية العلمية التي تعبر عن مضمون موضوعات المعجم المتعددة هادفين إلى تقديم ترجمة دقيقة وموضوعية . كما أننا لم تتدخل في مضمون النصوص، فاحترمنا محتواها عامدين في القليل النادر إلى تعليقات جعلناها حواشي في آخر المعجم حين رأينا أن الحاجة تدعو إلى ذلك. إلا أننا أضفنا التواريخ الهجرية بجانب التواريخ الميلادية ، تسهيلا لمهمة القراء المعتادين ذلك ، ورغبة في القرب من روح الحضارة الإسلامية. كما نقلنا إلى العربية الملاحق على أنواعها (خرائط تاريخية ، سلاسل الأنساب ، رسوم ومخططات هندسية ) ، وأضفنا في آخر المعجم ثبتا بالمداخل كما وردت في الترجمة ، أي بحسب الترتيب الأبجدي العربي . لكتنا تركنا الببليوغرافيا المدرجة في الطبعة الفرنسية على حالها . أما في ما يتعلق بالآيات القرآنية الواردة في الترجمة العربية ، فقد استقيناها من تفسير الجلالين ، حرصا على حرفية النص القرآني . إلا أن مهمتنا في شواهد الحديث النبوي الشريف كانت أصعب من ذلك بكثير ، اذ إن المؤلفين نقلا الأحاديث الى الفرنسية من دون الإشارة إلى مصدرها العربي . فجهدنا في جلاء ذلك إلى أبعد الحدود ، آملين أن نبقى أقرب ما يكون إلى النص الأصلي .
وقد واجهنا صعوبة مشابهة فيما يتعلق بتعريب الأعلام العربية الواردة في الأصل الفرنسي أي بردها إلى صيغة كتابتها العربية الأصلية ، أو الفارسية والأردية والتركية التي اعتمدت الحرف العربي مع اختلاف في بعض الحروف وفي التلفظ ببعضها. لكن تنوع اختصاص من قاموا بالعمل ومعرفة بعضهم بهذه اللغات عصمنا من الشطط فحمدا لله الكريم . وبعد ، فإن عملا كهذا يُعتبر ركيزة لإطلاق دراسات لاحقة ، لأن العمل المعجمي لطالما شكل بدايات لأية نهاية ، فهو يحفز الهمم للاطلاع بتقديمه عصارة المعارف في مجلد أو أكثر ، جامعا إياها من مئات الكتب المطبوعة والمخطوطة، وهو أمر لا يتيسر لطالب العلم نيله إلا خلال سنوات مديدة من الدراسة والتنقيب. قصارى الكلام ، إن هذا المعجم يهدي القارئ إلى أهم معالم الحضارة العربية الإسلامية ومضامينها وأعلامها وتضاريس المجتمعات التي نشأت فيها وازدهرت ، فهو يصلح كي يكون كتاب المخدة بامتياز - إضافة إلى أنه مدخل جدي إلى تراث الإسلام - يتناوله أي قارئ قبل إخلاده إلى النوم ليطلع على مقاطع من حضارته ، فتتراكم معرفته ليلة بعد ليلة ، واذا هو في نهاية المطاف أمام لوحة متكاملة . توجه في الختام كلمة شكر إلى كل الذين ساهموا من قريب أو من بعيد في إتمام هذا العمل ، سواء على صعيد الترجمة وتقويم بيانها أو على صعيد الطبع والاخراج ، كما نشكر دار النشر الفرنسية Les Presses Universitaires de France التي سمحت لنا ينقل هذا المعجم إلى العربية .
مقدمة الطبعة الفرنسية :
إن الإسلام المعاصر الذي تمتد رقعة انتشاره على مساحة العالم - مع احتفاظه بدور مسيطر في بعض المناطق الأفريقية والأسيوية التي سبق له أن ضمها منذ قرون ، وبفعل العوامل المتداخلة لهجرة أتباعه ومعتنقيه الجدد التي ما برحت تدخله في نسيج عدد من الدول غير الإسلامية - يتبدى لنا حاصل تاريخ مديد وحافل بالخفايا . يبدأ هذا التاريخ مع نشأته في شبه الجزيرة العربية، قبل نيف وأربعة عشر قرنا، حيث دعا النبي محمد ﷺ إلى دين الإسلام وجعل من حرم مكة ، مقر عبادة المشركين آنذاك ، القطب المركزي لطقوس عبادته . ثم شهد تاريخه هذا نموه من مختلف النواحي المذهبية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية التي هيأتها له الظروف السياسية والتحولات التي هي قدر البشرية المشترك، في أمبراطورية مترامية الأطراف وغير متجانسة ، يزداد سكانها وتتبدل حدودها باستمرار بفعل الفتوحات والغزوات ، وتقوم فيها ممالك تنفصل وتتفكك ، ويعاد تركيبها بأيدي فواد عسكريين أقوياء أو بتبشير دعاة يستميلون قلوب الجماعة . هذا التاريخ الذي عرفه الإسلام - على ما فيه من تعقيدات - هو ، وحده ، القادر على توجيهنا، في تدبرنا ردات الفعل المختلفة، كما الأسباب الأخرى للنزاعات الخفية في المجتمعات الإسلامية المعاصرة حيث العلاقات الداخلية بين أفرادها ، كما علاقة هؤلاء بغير المسلمين المجاورين لهم ، تؤثر ، إلى حد بعيد، على مستقبل هذه المجتمعات ، وأيضا على مستقبل المجتمعات الأخرى.
بيد أن مراحل تطوره القديم كانت في أكثر الأحيان، بعيدة عن إدراك وجدان أهل الغرب ، ما أدى إلى تصور مبسط وأحادي المنحى عن الإسلام لم يقض إلى أجوبة عن المسائل التي تواجهنا والتي ما تزال قائمة في خضم الجدالات والغموض، وهذا ما يهيب بنا ، الى الأخذ في الاعتبار الفائدة الفورية التي استمالتنا، منذ مدة، إلى تنفيذ مشروع معجم للإسلام اقترح علينا واختمر مفهومه ببطء، وتحوّل إلى معجم تاريخي . وقد تم تنفيذه ببطء أكبر ، على مر السنين ، إلى جانب أعمالنا الأخرى التي أتاح لنا هذا المنجد الفرصة لتطويرها . وقد بدا لنا أن فكرة المعجم التاريخي ، هي من الأهمية بحيث تيسر للقراء الراغبين في الحصول على معلومات محددة بدقة ، مجزأة عمدا ليسهل عليهم الولوج إليها، وذلك انطلاقا من معارف مليئة باطلاعات تقريبية ومتناقضة إذا ما نظر اليها بشكل شمولي . وهل من حاجة إلى التذكير ، على سبيل المثال ، - بكيفية تدثر الإسلام التاريخي لروح الطاعة لله ، التي تجلت في شرعوية معيارية لما هو دنيوي ، كما في اندفاعات مختلفة جدا شهدها التصوف أو شهدتها طقوس التقوى الشعبية : - أو كيف أن الأقاليم التي حكمها الإسلام منذ أوائل ظهور أمبراطوريته لم تجد نصيبا من جهد جدي لتوحيدها ، في حين تولد عن تنوع المنابع واللغات والثقافات خصوصيات مناطقية ؟ - أو كيف أن الحضارات التي ازدهرت في ظل سلالاته الأكثر تألقا ذهبت بها ثورات إصلاحية رفعت لواء العودة إلى صرامة الأصول الأولية : -
وأخيرا ، كيف أن الأمة الإسلامية التي غلبت ظاهرا إرادتها في تحقيق تجاني وحدوي بين أفرادها ، عمرت ، منذ بداية تاريخها ، بالانشقاقات التي انبثقت عنها بحل ازداد رسوخها و تفرعها . إنطلاقا من ذلك ، تلاحظ سيطرة تعددية كان الاختصاصي الفرنسي في الدراسات الإسلامية، هنري لاوست صاحب النظرات النافذة ، أول من بين نتائجها التي أفضت إلى بروز شيع شككت في قداسية تشريع قدم للناس على أنه عامل تجانس ، ووصل بها الأمر إلى إنكار بساطة الإيمان الإسلامي الأساسي الذي يختصر، نص الشهادة . إنطلاقا من هذه الرؤية، لم تر ما هو منهجيا أكثر ملاءمة من التجزئة التحليلية للمداخل ، تبيانا للأصالة التي اختص بها الإسلام ، عنيت الغنى الذي تفردت من خلاله . بالمواجهة ، وفي أكثر الأحيان، عبر صدامات حربية بكل معنى الكلمة - الجماعات السياسية - الدينية الكبرى التي برزت في مجرى الزمن، سماتها الفردية وميزتها عن الجماعات الأخرى . لقد شكل السنة إحدى هذه الجماعات ، حتى ولو أن طابعهم الأكثري أضفى عليهم ، في أغلب الأحيان ، سمة أصحاب الرأي المستقيم . وكذلك أمر الشيعة والخوارج. تكتفي بذكر هذه الجماعات ، علما أن كلا منها عانت بدورها من إنشقاقات جديدة ، تسببت بها ، في أغلب الأحيان، ظروف طاولة ، إلا أنه يمكن عزوها إلى الظهور الدوري للنظريات الرمزية والإشرافية اتي ارتبطت بدقائق الفلسفة والتصوف، مفضية أحيانًا إلى مواقف الثيوصرفية المتطرفة القائلة بوحدة الوجود، أو إلى رمزية باطنية ، مفسحة المجال، في الوقت نفسه ، النظريات كلامية هدامة . وهكذا غدا التشيع شأنا مغايرا لما كان عليه في بداية نشأته ، اذ كان ينظر اليه على أنه الحزب الذي تجمع حول علي بن أبي طالب ، ابن عم النبي محمد (ﷺ) وصهره ، دفاعا عن شرعية تسلمه السلطة وشرعية الحفاظ على هذه السلطة في أعقابه. هذا التشيع الجديد أنتج معتقدات تضمنت ابتكارات عقائدية مغرفة في التخيل .
إنه حافظ على المبدأ الأساسي للإمامة التي حصرها في البدء في اعقاب علي ، ولكنه اعطاها لاحقا منحى غير تقليدي عبر عقيدة المهدي أي انتظار المخلص المتمثل بالمهدي ) ، حتى نجح أخيرا في تمرير التوفير للإمام - وبخاصة في صورة الإمام المستور ، ولكن الحي - قبل التوفير المفروض للنبي محمد (3) نفسه هذه الانشقاقات والمجادلات المؤذية إلى ظهور مجموعات صغيرة ذات تفريعات غير منضبطة ، نوعا ما ، تتبينها في أهل التشيع، عملت عملها كذلك بين أهل السنة ، بدفاعها عن تخريجات كانت تستند ، بحسب الحالات، على نمط تفكير طبق في مجال الفقه وعلم الكلام التنظيري ، أو البحث عن الاتحاد الصوفي، وهكذا تنامت بين أهل السنة - إضافة إلى المذاهب الفقهية المعروفة رسميا والمهيأة للتعايش سلميا ، مثل الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية والظاهرية ، على سبيل المثال ، - وإضافة كذلك إلى المسالك المدارس) الروحانية المتجلية في كثير من الطرق الصوفية والمتفرعة باستمرار فيما بينها ، لتشكل كل منها بؤرة تجمع لأتباع انتظموا في جمعيات أو طرائق مثل القادرية والتيجانية والسنوسية - مدارس فلسفية كلامية كذلك ، مثل المعتزلة والأشعرية أو الماتريدية ، وأخيرا تيارات اجتماعية وجه تنظيمها للاستيلاء على السلطة ، كالحركة التي كانت في أساس نجاح أمبراطورية الموحدين في المغرب في القرن السادس للهجرة / الثاني عشر للميلاد، أو الحركة المهدية التي ألهبت السودان الإنكليزي - المصري قبيل انقضاء القرن التاسع عشر . جميع هذه الأسر السياسية - الدينية ، سواء منها الشيعية أو السنية ، المتكثرة بعضها إلى جانب بعض ، والمتراشقة بسهام الاتهام، قامت بذلك من دون ضابط، إذ لم يتوافر في ديار الإسلام، لا في الماضي ولا في الحاضر، سلطة تفسير كفية ، على الصعيدين الفردي أو الجماعي، قادرة على فرض نفسها مرجعية لا جدال حولها . فكما قال هنري لاووست الذي رأى في ذلك السبب العميق للإغراق في التعددية ، كل مسلم تجتمع لديه شروط العلم التي براها ضرورية وطاقية يمكنه أن يقدم نفسه على أنه مفسر للشريعة مأذون له .
بناء على ذلك ، استمرت جميع تلك الأسر في تقاسمها السكان وتصارعها على احتلال الصفوف الأولى من المسرح السياسي ، مع القدرة على تجديد نفسها والتكاثر إنطلاقا من معطيات تتجدد بحسب مقتضى الحال ، وفي أكثر الأحيان تحت شعار مختلف وجوه التحديث والإصلاح الذي تحركه العودة إلى الأصول، وإذا جاز لنا ، في هذا المقام ، أن نعتمد بقوة على قول منشئ بالعربية قديم هو أبو بكر الخوارزمي : ليس من نحلة لم تصادف يوما ريحًا ملائمة ولم تفد من دعم دولة ماء، فينبغي ، كذلك، القبول بالصيغة المعكوسة والعزوف عن التفتيش، عبر التاريخ الإسلامي ، عن نموذج دولة إسلامية تكونت بمنأى عن الدعاوات والأيديولوجيات التي تشهد ، بوجودها ومضمونها ، لتعددية منطلق فكري خارج على أتي سلطة . إن اعتمادنا المداخل التحليلية المستقلة بحسب المنهج المعجمي الذي بدا لنا منسجما مع وضع الإسلام المعقد ، على الصعيدين الفكري والروحاني ، ظهر لنا ، كذلك ، مناسباً لسير غور الوجوه المتكثرة الحضارته التي ازدهرت عبر تجليات متعاقبة حتى شمولها خلفيات الفسيفساء المعقدة، المميزة في الوقت نفسه ، التي تدبرتها أنامل الدول الإسلامية الحديثة . هذه الدول هي ، في معظمها ، دول - أمم ، يفصل الواحدة عن الأخرى منها ، بحسب التوجهات الاقتصادية أو التضامنات السياسية ، اختلافات عارضة تعود أحيانًا إلى مقدار أخذها بالتحديث والنتائج الاجتماعية الناشئة عن هذا الوضع، إنها تعبر بطريقتها عما آلت إليه بسبب أمور متقادمة ، كتنوع الأراضي والمناخ والموارد والأعراق والموروثات، من دون إغفال سمات أخرى ما فتئ تاريخها يحمل أثقالها . إلا أن تخومها لا تطابق ، إلا استثناء ، المناطق والإمارات الفروسطية التي سبقتها، مع عدم حفاظها على استمرار المجموعات العرقية - اللغوية التي كانت تعمرها في الماضي، يُشار ، في الدرجة الأولى ، إلى المجموعات الإيرانية والتركية ، إذا ما أخذنا في الاعتبار الوسطين الثقافيين الأقدمين اللذين أسهما ، مع المجموعة العربية اللغة ، في نهضة العالم الإسلامي ؛ وفي الدرجة الثانية مجموعات الأوساط النائية، الهندية والأندونيسية والصينية والأفريقية وغيرها التي انصهرت فيما بعد في بوتقة الإسلام. هذه المناطق التي قامت فوق كيانات سياسية مختلفة عبر الأزمنة المتعاقبة ، - وهذه المدن المتغيرة تسمياتها التي شهدت في نطاقها نموا أو تراجعا في سياق شبكات مواصلات أحيتها حركة التجارة والفنون اليدوية إذ لم تكن حواضر ملكية أو منشآت مدينية ذات طابع إداري أو عسكري ، وهؤلاء الأمراء والملوك الذين كانت قدرتهم منوطة بحظهم في الحروب وأثره في التحول المستمر للسلطات .
وأخيرا ، إلى ممثلي الطبقات الناشطة والمنتجة الذين أسهموا عبر القرون، في شهرة الأماكن التي استوطنوها بفضل نجاحهم في معترك الشؤون الفكرية أو المادية التي قبستها عنهم فيما بعد حتى المجتمعات غير الإسلامية ، - جميع هذه العناصر المتنوعة الطبيعة وفيناها حقها في إعتمادنا تعددية المداخل ، وقد أخذنا في الاعتبار العالم المترامي الذي ران عليه الإسلام، من المحيط الأطلسي حتى المحيط الهندي، ومن السهوب الأورو - آسيوية الباردة حتى الغابات الاستوائية لأفريقيا السوداء في هذا المسار ، كان علينا ، تحديدا لحقل موادنا ، أن نتخذ احتياطات أولية تركت أثرها في دالية المشروع . كان أول هذه الاحتياطات الشهر ، في كل موضوع عالجناه ، على التقديم المعطيات التي تتناول الأحداث في تسلسل مراحلها الكبرى. وثانيه الذي يفوقه دقة ، ألا تخرج ، في اختيارنا للعناوين المنتخبة ، عن الإطار الذي رسمناء لأنفسنا ، وهو الإسلام والعالم القائم به . وهكذا قررنا ألا نتناول ، بحد ذاتها ، الشعوب والديانات والدول والأحداث التاريخية التي كان لها أثر على تاريخ الإسلام ، إلا أنها لم تكن منخرطة في دار الإسلام . لم تفرد لمحة خاصة بالبيزنطيين، مثلا ، ولا بالساسانيين ولا باليهود ولا بالمسيحيين ولا بالبرتغاليين ولا بالإسرائيليين، ولا من باب أولى بالظواهر الطارئة على العالم الإسلامي في بداياتها كالحملات الصليبية والاستعمار والصهيونية، على سبيل المثال، كما أننا لم نخص بلمحة مستقلة غير المسلمين الذين اشتهروا في المجتمع الإسلامي ، ولو من الأعلام، مثل يوحنا الدمشقي وإسحق بن حنين أو إبن ميمون في هذا التوجه أيضًا، اخترنا أن نخرج من دائرة اهتمامنا الإبداعات الأدبية المرتبطة بلغات وخاصيات عرفية وثقافات محلية - في حال لم يتوافر لها بعد اجتماعي إسلامي أو منحى ديني - بينما أشرنا بطريقة سريعة إلى الإنجازات الفنية والمكتسبات ذات المنحى الفكري والعلمي التي يدعيها الإسلام عادة، على أنها موضوع جدل ، وإن كانت في أغلب الأحيان، مطبوعة بشروط حياتية خضعت لتنظيم الشريعة الإسلامية أو حاصل لشروط رسوم اللياقة الإسلامية .
إلا أن ثقل الطابع العربي - الذي لم يكن مطروحا أن نغيبه في المسار الإسلامي ، قرض نفسه علينا ، إذ إنه لعب دوراً من الطراز الأول في تاريخ الإسلام ، بعد أن كون محيطه الحجازي الأول، وهو ما يرمز اليه الحفاظ ، عبر الأزمنة ، على اللغة والخط العربيين كناقلين مفضلين للرسالة النبوية . فالعربية غدت لغة طقسية ودعامة للأدب الإسلامي في تحقيقاته الدينية ، بعد أن كانت لغة القرآن الكريم : - والخط العربي الذي دان بشهرته وحتى بقدره الغني لكونه شكل مظهر التعبير المكتوب لهذا القرآن نفسه في بدايات قراءته مرتلا بلسان نبي الإسلام . من هنا أنت كذلك الأهمية النسبية التي حازت عليها، في هذا المعجم التاريخي ، بعض المفاهيم التي عكست مصطلحات عربية اختصت بالتعبير عما اقتضاء التشريع أو اقتضته المؤسسات، أو الأشكال المتعددة للفكر الإسلامي، لكننا أردنا ، نتيجة لذلك ، الإلماح ، من خلال استمرارية هذه المفردات التقنية ، إلى نتائج عادات جديدة واكبت النمو المتدرج للمجال المؤسلم ، بينما كان العرب - حتى العرب بالمعنى الواسع للكلمة الذي يشمل شعوب الشرق الأوسط والمغرب الذين تعربوا منذ القرون الأولى - يتحولون ، شيئًا فشيئاً، إلى مجرد أقلية.
وفي الوقت نفسه ، سعينا إلى التشديد على المسائل الحالية غير المنفصلة عن الوجه غير المستقر لبعض الدول الإسلامية المتحولة باستمرار على الصعيد الاجتماعي، خلال العصر الحديث. من هنا، وجدنا لها مكانا في المعجم ، لكنه مكان ضيق لا يتجاوز الفهرسة ، مع مراعاتنا لاحتوائه الأساسي من المعلومات، أي الإرشادات السريعة للأحداث التي أدت إلى نشوء هذه الدول، انطلاقا من الولايات القديمة للأمبراطورية والتي تتراءى من خلال تكوينها المعاصر . وكان علينا ، مع ذلك كله ، تنفيذ هذا البرنامج بالسعي إلى حصر هذا الكم الهائل من المعلومات في إطار مجلد سهل الاستعمال، وهو كم يشمل حقل العقيدة والجوانب المادية . وقد قضى قرارنا الأساسي بالا نلجأ إلى أية مساعدة من جهة أخرى ، بحيث تستبدل بالخيار الموسوعي عصارات تنم عن مكتسبات خبرتنا الشخصية وتأملاتنا. وإذ تجافينا اللجوء إلى الأبحاث المتخصصة المغرقة في الدقة - ومنها البعض من أبحاثنا - لأنها ما تزال غير مستقرة وغير موثوق بها ، وقد تجسدت في دراسات غير كافية من حيث العدد، رغم الإنجازات المحققة ، سعينا إلى الجمع بين الإيجاز والموضوعية ، مسهلين الاستزادة بالإحالة إلى المداخل المضمومة بين دفتي العملنا .
وقد رمينا ، بوجه خاص، أن ترسم خطوة بخطوة ، يفضل الاختيار ، والتفصيل المعقول، وتنظيم الملخصات لوحة تلبي تساؤلاتنا التي لم تيارحنا خلال تلك السنوات المديدة التي قضيناها في اتصالنا بالإسلام، كما اخترنا تغليب توجه ببليوغرافي عام ، من دون تثقيل نصوصنا بإحالات تفصيلية، وهي نصوص تتميز عن المنابع التي عدنا إليها ، وبينها الموسوعة الإسلامية التي تتبين فيها، رغم تفاوت موضوعاتها، ميراث جميع المستشرقين الذين اشتركوا فيها والتي تعلن ديننا لها كما لسائر وسائل العمل التاريخي التي لا غنى عنها (الأطالس ، لوائح السلالات ...) ، والتي أقدنا منها . وقد عدنا ، لإنجاز هذا المعجم ، عبر مسارات غير متوقعة أحيانًا ولم تخطر ببالنا ، إلى النتائج والإشكاليات التي كنا انتهينا إليها أو طرحناها من خلال أبحاثنا السابقة، كما أننا استعدنا، في كثير من الأحيان، ذكريات أماكن وأشخاص سبق لنا أن عرفناهم ، وكذلك ذكريات مشاهد طبيعية ومباني أثرية كانت هدفا لرحلاتنا في الماضي ، وقد منحها مزيدا من الجمال حنيننا للعودة غير الممكنة إليها. أما بالنسبة إلى نتيجة أدائنا، فمن المبكر الحكم عليه ، إلا أن المؤكد هو أن ضرورات المنطق الداخلي الضاغطة باطراد والصعوبات الملازمة الطموح المشروع كانت تتنامى مع مرور الوقت، ومع تحوّل الهدف الذي كنا نسعى إليه بلذة ولا مبالاة، في مرحلة بدء العمل ، إلى عمل جدي .
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق