للتحميل PDF | رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية - دكتور محمد محمود إدريس ، دار الثقافة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1983م.
عدد الصفحات : 231
نبذة عن محتوى الكتاب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. وبعد فهذا كتاب يتناول رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية في العراق والمشرق الاسلامي ، يوضح تطور التاريخ الحضاري للسلاجقة بعد رحيلهم من بلاد الترك الى الغرب بعد دخولهم الاسلام ، ويوضح ما استحدوه من رسوم ونظم في دولتهم التي أقاموها بخراسان واتخاذهم مدينة نيساجور عرشا لسلطنتهم سنة ٤٢٩هـ ، وتتعلق رسومهم بتعيين سلاطينهم ووزرائهم وولى العهد وكبار رجال الدولة فيها ، وما طرأ على هذه الرسوم من تطور طوال العصر السلجوقي ( ٤٢٩ هـ - ٥٩٠ هـ ) أي ما يقرب من قرنين ، كما يتجلى أيضا مدى احتفاظ السلاجقة بعاداتهم وتقاليدهم التي كانت في بلاد الترك .
كان لدخول السلاجقة ( الغز ) في الاسلام اثر بالغ في تطور الحضارة الاسلامية في المشرق الاسلامي ، فقد استطاعوا أن يوحدوا العالم الاسلامي في المشرق وأن يعيدوا تكوين وحدة المجتمع الاسلامي السياسية والحضارية في تلك الفترة ، وبذلك تركوا بصماتهم في الحضارة الاسلامية وظهرت حضارة سلجوقية اسلامية واضحة شغل السلاجقة حقبة مهمة فى تاريخ الاسلام عامة وحضارته خاصة فى الدولة الاسلامية ، فعندما ظهر السلاجقة كانت الخلافة العباسية تتهاوى الى الزوال نقل انقسمت الدولة العباسية الى دويلات كثيرة ملككة . وفى تلك الفترة كانت القبائل التركية قوية ممتلئة حيوية ونشاطا ووحدة وتحمس للاسلام ، تعيش حياة البداوة ولم تفسدها حياة المدن ، فجاءت بتقاليدها وعاداتها وأسلوبها البدوى ، وأضفوا على بلاد المشرق الاسلامي طابعا حضاريا جديدا .
وساعد على وحدتهم وتكتلهم أنهم ينحدرون من أصل واحد جدهم ( سلجوق بن تقاق ) ، واستطاعوا بذلك أن ينقذوا الدولة العباسية وأن يمنحوها حياة جديدة . واستطاعوا أيضا أن يوحدوا العالم الاسلامي في المشرق تحت حكم شخص واحد يدنيون له بالطاعة والولاء بسط السلاجقة سلطانهم على المشرق وحلوا محل الغزنويين ، واستطوا الأمراء البويهيين من العراق سنة ٤٤٧ هـ . فى فترة ضعفت فيها الخلافة العباسية فاعترفت بالسلاجقة وبحكمهم وبسلاطينهم وبقيام دولتهم وبذلك اضفوا على حكمهم الشرعية المستمدة من الخلافة العباسية صاحبة السيادة الروحية في تلك المنطقة .
لم تكن الرسوم والنظم الاجتماعية التي سار عليها السلاجقة موجودة قبيل قدومهم الى بلاد المشرق بل استحدثوها في تلك المنطقة مما جعل هذا الموضوع ذا اهمية بالغة فى الحضارة الإسلامية خلال تلك الفترة ومما يميز تطورها على أيدى السلاجقة الاتراك . وبذلك أضافوا إلى الحضارة الإسلامية طعما جديدا ذا مذاقا خاصا.
ولما كان السلاجقة بعيدين عن حاضرة الخلافة العباسية ببغداد ، منفردين بمدن معينة في بلاد المشرق اتخذوها حواضر لهم منها يديرون شئون حكمهم ، كان ذلك من أهم ما يميز الحضارة السلجوقية فجعلوا حاضرتهم دارا لسلطنتهم ، وأضفوا عليها طابعهم التركي ، تركوا ما يخالف الشريعة الاسلامية فى رسومهم ونظم حياتهم واستمسكوا بطابعهم التركى فيما يتفق والشريعة الاسلامية .
نظم السلاجقة دولتهم ووضعوا رسومهم ونظمهم ، وساروا عليها فى تعيين سلاطينهم ، والتي تقوم على اختيار هذا السلطان وفق طبيعتهم القبلية التركية التي تجعل من الابن الأكبر للسلطان السلجوقي الحق في تعيينه سلطانا ، بل زادوا على ذلك جعل قوة هذا الابن وقدرته على السيطرة على أفراد البيت السلجوقي والعشائر السلجوقية من أهم رسوم تعيين السلطان السلجوقي . على أن أهم ما يميز رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية ما أدخلوه من عادات وتقاليد جلبوها معهم من بلاد الترك أضفوا عليها الطابع الاسلامى وهي تقوم على طبيعتهم القبلية ووحدتهم وتمسكهم بزعيمهم ، ما جعل العالم الاسلامي في بلاد المشرق يدين بالطاعة الزعيم واحد . وحتى في فترات التفكك والاضمحلال كان الزعيم السلجوقي ويتمتع بتلك الطاعة .
استمر سلاطين السلاجقة مستأثرين بالنفوذ في المشرق ، فقوى شأنهم واتسعت اطراف دولتهم خلال عصر سلاطين السلاجقة العظام الذي ينتهي بموت السلطان سنجر سنة ٥٥٢ هـ ، فقد دخلت كل بلاد غرب آسيا من حدود افغانستان الى البحر الأسود الى شبه جزيرة الهند الى العراق تحت سلطانهم ، وترتب على موت سنجر بدء التنازع بين الأمراء السلاجقة طمعا في السلطة مما أدى الى ضعف دولتهم وتفككها وبعد وفاة السلطان ملكشاه سنة ٤٨٥ هـ ظهرت شعب سلجوقية جديده كانت الشعبة الأصلية محتفظة بسيطرتها على سائر أرجاء السلاجقة ، والتي اتخذت من خراسان مقرا لها فظهرت سلاجقة العراق وسلاجقة كرمان وسلاجقة الشام وهكذا ، ويعد سنجر آخر السلاطين العظام، وظهرت بعد ذلك الأتابكيات فى العالم السلجوقي الذي هو مظهر ذلك التفكك .
ظهرت شعبة سلاجقة العراق في عهد السلطان سنجر وكانوا يعدون نوابا للسلطان سنجر ، فقد كان السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان يضع اسمه على العملة الى جانب اسم السلطان سنجر ، وتبرز شخصية سلاجقة العراق ، وأولهم السلطان محمود الذي حاول أن يستقل عن عمه سنجر وتعتبر سنة ٥١٣ هـ البدء الفعلى لسلاجقة العراق . فأصبح محمود نائبا لسنجر في العراق يأتمر بأمره ولا يعمل الا بمشورة عمه سنجر ، واتخذ محمود من بغداد مقرا له والسلطان سنجر اتخذ من مرو عاصمة لدولته ، وبذلك لا انفصال بين سلاجقة العراق وسلاجقة المشرق ، وبذلك كان الحديث عن رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية يعتمد على سلاجقة المشرق وسلاجقة العراق واذا كان عصر سلاطين السلاجقة العظام يبدأ بالسلطان طغرلبك سنة ٤٢٩ هـ وينتهي بموت سنجر سنة ٥٥٢ هـ . فعصر سلاجقة العراق يبدأ بالسلطان محمود سنة ٥١١ هـ وينتهى بقيام الخليفة الناصر لدين الله العباسي بتخالفه مع الدولة الخوارزمية بالعمل على القضاء على السلاجقة.
وانتهى هذا العصر بقتل السلطان طغرلبك بالقرب من الرى سنة ٥٩٠ هـ وينتهى بذلك العصر السلجوقي في الدولة العباسية وليس من الممكن أن نتحدث عن كل شعبة من شعب السلاجقة المتعددة عن رسومها ونظمها الاجتماعية ، ولكن أثرت الحديث عن السلاجقة العظام أساس السلاجقة وشعبة العراق المنحدرة منها والممتدة لها ، واستخلصت منهم رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية فهي أكثر وضوحا وتمييزا ، وتمثل كل ما كان للسلاجقة من نظم اجتماعية ورسوم سلجوقية في تلك الفترة .
ونظرا لأهمية هذه الفترة في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية فقد تعرضت لبحث ودراسة هذا الموضوع دراسة وافية كجانب من حضارة السلاجقة في المشرق الاسلامي والعراق ، وركزت اهتمامي بدراسة رسوم السلاجقة ونظمهم الاجتماعية لأن هذه الموضوعات لم تحظ بدراسة وافية ، وخاصة أن ما ورد بها من معلومات متناثرة في طيات المصادر العربية والفارسية والتركية الأصلية ، لذلك حرصت خلال صفحات هذا الكتاب أن أعطى صورة واضحة لهذه الموضوعات دون الدخول في التفصيلات التاريخية والحوادث الثانوية ، وهذا الحرص يزيد البحث في هذا الموضوع مشقة وصعوبه وقد بدأت الكتاب ببحث موجز عن ظهور السلاجقة ودخولهم الغرب ، وقيام دولتهم واعتراف الخلافة العباسية بهم واعتلائهم عرش الغزنويين في نيسابور سنة ٤٢٩هـ وتولى طغرلبك أول سلطان للدولة السلجوقية في المشرق .
وتناولت في هذا الكتاب موضوعين الموضوع الأول يشمل الباب الأول بأكمله الذى ينقسم بدورة الى أربع موضوعات وهو مخصص لرسوم السلاجقة تناولت في الفصل الأول منه رسوم تعيين سلاطين السلاجقة ، واعتمدت في ذلك على استقصاء الأحداث للوصول على رسوم السلاجقة في تعيين سلاطينهم وبينت كيف كان السلاجقة يختارون سلطانهم . كما وضحت أيضا أن موافقة الخليفة العباسي على هذا التعيين كان من رسوم تعيين السلطان السلجوقي ثم بينت حرصهم على التلقب بالالقاب وذكر أسمهم مصحوبا بالقابهم في الخطبة على منابر العراق والمشرق والنقش على السكة لأن ذلك من أهم مظاهر سيطرة السلطان السلجوقى على المناطق التي تحت حوزته .
أما رسوم دار السلطنة السلجوقية فأفردت لها الفصل الثاني من هذا الباب تناولت فيه أهمية مدن المشرق التي اتخذوها حواضر لدولتهم فيها قصورهم التي يديرون منها شئون الحكم وللقصر السلجوقى رسوم خاصة تتمثل في استقبال الأمراء المجاورين وما كان يتخذه سلاطين السلاجقة من شارات ورموز وكيف كانوا يديرون مجالسهم في قصورهم وبينت رسوم اسقبال الرسل في الدركاه ثم وضحت في الفصل الثالث رسوم تعيين ولى العهد والوزراء فهما عماد ادارة الدولة السلجوقية وبينت كيف كان السلطان السلجوقي يختار ولى عهده وما يستلزم ذلك من قوة ولى العهد وشخصيته وموافقة جنوده على تعيينه كذلك تناولت رسوم تعيين الوزراء والمراسيم التي تصدر من السلطان السلجوقى فى هذا الشأن وما تتضمنه من حقوق وواجبات الوزير ، وما يقمون به بعد ذلك من تبادل الهدايا بينهم وبين السلطان السلجوقي ، كما وضحت العلامات الخاصة التي كان يتخذها الوزراء في توقيعاتهم كما بينت وظيفة تائب الوزير ووزير زوجة السلطان السلجوقي و أما هذا الباب فختمته بالحديث عن أرباب الوظائف الأخرى كالحاجب وقاضي القضاة والطغرائي والمستوفى والعميد والشحنه، والساقى وأمير الحرس وصاحب الخبر وبينت رسوم السلاجقة في تعيين هؤلاء ووظيفة كل منهم وحقوقهم وواجباتهم .
والموضوع الثاني الذي شمله هذا الكتاب تناولت في الباب الثاني الذي شمل نظم السلاجقة الاجتماعية وتناولت فيه أربع موضوعات ، أما الموضوع الأول فدراسة عن نظم سلاطين السلاجقة في الزواج وبينت كيف كان يختار السلطان السلجوقى زوجته وكذا زوجة ولى عهده ، وكيف كانت حفلات الزواج والهدايا والمراسيم التي تتعلق بأمور الزواج السلجوقي ، ووضحت أن هذه النظم حملوها معهم من بلاد الترك ثم أخضعوها للشريعة الاسلامية في بلاد المشرق وتناولت في الفصل الثاني من هذا الباب نظم سلاطين السلاجقة الاجتماعية الخاصة في قصره ، وشرحت مسكن السلطان السلجوقي وماكله وملبسه ، وكيف كان يقضى وقته ويشغل فراغه وهواياته التى تميزت بنظام قبلی بدوى عرفوه منذ أن كانوا فى مواطنهم الأولى وحملوها معهم وأهمها الصيد وسباق الخيل واللعب بالشطرنج ، كما شرحت ما كان يقوم به السلاجقة من ولائم وأسمطه . وما تتضمنه هذه الولائم من أنواع المأكل والمشرب وما كانت عليه عاداتهم وتقاليدهم أما مجالس السلاجقة الاجتماعية فأفردت لها الفصل الثالث فقد كان السلاجقة يعقدون مجالسهم في قصورهم وشرحت نظامهم فى ذلك وكيف كان النديم يلعب دورا هاما فيها كما كان مضحك السلطان من الشخصيات الهامة في مجالس السلطان السلجوقي ، وبينت كيف عمرت هذه المجالس وخاصة ما يتعلق بأنواع الشراب ، وبينت أهمية هذه المجالس للسلطان السلجوقي ، وأنواع الشراب وطريقة صنعه .
وختمت هذا الباب بالحديث عن الأعياد والمواسم والمواكب التي كان يحتفل بها سلاطين السلاجقة والذي شملت الأعياد الدينية وأعياد التتويج سواء للسلطان السلجوقي أو ولى عهده ، واهتمامهم بالاحتفال بالمناسبات الخاصة والقومية والانتصارات العسكرية واحتفالاتهم بعيد النوروز والصدق ، ثم بينت مدى اهتمام السلاجقة بهذه الأعياد ، وختمت دراستي بالحديث عن مواكب سلاطين السلاجقة وكبار رجال دولتهم .
والله أسأل أن يوفقني الى البحث المتواصل لكشف نواحي الحضارة الاسلامية لتلك الشعوب ، لسد فجوة في تاريخ الحضارة الاسلامية في المشرق الحافلة بأسباب العظمة والمجد فهي عميقة الجذور راسخة البنيان ، يشهد بها ذلك التراث الاسلامى الغزير لتلك الشعوب . ولا يسعنى الا أن أوجه شكرى العميق وتقديري الجزيل الى استاذي الكبير الأستاذ الدكتور محمد جمال الدين سرور أستاذ التاريخ الاسلامى بكلية الآداب جامعة القاهرة لتوجيهي التوجهة العامية السليمة جزاه الله خير الجزاء .
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق