للتحميل PDF | الفروسية في مصر في عصر سلاطين المماليك - للدكتور السيد الباز العريني
دار النهضة العربية للطباعة والنشر ، بيروت ، رمضان 1386هـ/ يناير 1967م
عدد الصفحات : 312
نبذة عن الكتاب :
لقي النظام الحربي عند المسلمين شيئا من الاهتمام عند مؤرخي الغرب من مستشرقين وغير مستشرقين ، فظفرت الدولة العثمانية كما ظفرت الدولة المملوكية بقسط هذا الاهتمام ، دون ان تنال الفروسية المملوكية حظها من الدراسة مع العلم بانها محور النظام المملوكي كله . من وليس هذا البحث سوى محاولة لتكوين صورة واضحة للاسس التي قام عليها نظام الفروسية المملوكية وما طرأ عليها خلال عصر سلاطين المماليك ( ١٢٥٠ - ١٥١٧ ) من تغيير وتعديل .
وتناول هذا البحث دراسة الاوضاع التاريخية في الشرق الأوسط في القرن الثاني عشر الميلادي، وشرح العناصر التي تألف منها الجيش المملوكي ، ووصف حياة المملوك منذ ان جلبه تاجره الى مصر حتى تحرر بعد ان فرغ من دراسته بالطباق وغدا فارسا .
يضاف الى ذلك ما ورد في هذا البحث عن العوامل التي تحكمت في مستقبل الفارس وموارده والعلاقات التي تربطه باستاذه وزملائه في الرق والعتق والتربية والخدمة واهمية ذلك كله في قوة نظام الفروسية وضعفه. وعلى الرغم من ان المصادر المملوكية زخرت باخبار السلاطين واعمالهم دون ان تتعرض في وضوح لموضوع الفروسية، فهذه المصادر هي الوسيلة الوحيدة لدراسة نظام الفروسية المملوكية .
وامتاز هذا العصر بوفرة ما صنف فيه من كتب التاريخ والجغرافيا والخطط والتراجم والموسوعات مما ييسر للباحث العكوف على دراسته . غير أن هذه المؤلفات على وفرة مادتها ، وتنوع موضوعاتها ، لم يتم تصنيفها في زمن واحد ، حتى يستطيع الباحث المقارنة بين ما ورد فيها من نصوص حقائق ، فضلا عن اقتصارها علی وروايات ، كيما يصل الى ما يريده من . معالجة الاحداث الجارية من زاوية واحدة ، واغفالها اشياء كثيرة يحتاج الباحث الى استجلائها .
ومعظم هذه المصادر وضعها مؤلفون عاشوا في العصر المملوكي الثاني اي في القرن التاسع الهجري . ولهذه الحقيقة اهمية خاصة تتمثل في ان هؤلاء المؤرخين اعتبروا عصر المماليك البحرية رمزا للازدهار والكمال والتفوق الحربي ، على حين أنهم رأوا في العصر المملوكي الثاني الذي يعيشون فيه مثلا للاضمحلال والفساد .
والواقع ان هؤلاء المؤرخين يمثلون مدرسة للتفكير التاريخي بمصر في القرن التاسع الهجري ، استاذها المقريزي وعنه اخذ معاصروه ويتلوهم ابو المحاسن و معاصروه ثم ابن اياس ومعاصروه . غير ان هؤلاء المؤرخين لم يفرقوا فيما اوردوه في كتبهم بين التاريخ والقصص والادب والتراجم ونظم الحكم ، بل اتبعوا طريقة الاستطراد في التأليف فخلطوا بين التاريخ وغيره من سائر العلوم . فاتبع المقريزي تلك الطريقة بمقدار في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك ، اذ دون حوادث كل عام في فصل مستقل ، وختم الحوادث بذكر الوفيات والترجمة لاصحابها في شيء الاختصار .
واحيانا يفتتح السنة بذكر الوظائف الكبرى ومتوليها من الموظفين ، ويجري ذلك عادة اذا جاء بدء السنة موافقا لقيام سلطان جديد . ولم يخرج العيني وابن حجر على هذا النظام في كتبهما التاريخية . غير أن ابن حجر اهتم بالافاضة في التراجم دون مراعاة لما أوجزه في حوادث السنين .
وانتهج ابو المحاسن في كتابه النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة منهجا مخالفا لطريقة المقريزي وترتيبه ، اذ جعل لكل عهد من عهود الملوك والسلاطين فصلا قائما بذاته ، وذكر السنين وحوادثها تباعا، حتى اذا توفي السلطان ، اتى على أخباره مرة اخرى في ترجمة متصلة وشرح أخلاقه وعوامل نجاحه وفشله ، ثم اعقب ذلك بترتيب سنوات عهد السلطان مع الاشارة الى أهم ما وقع فيها من الحوادث .
اما ابن ایاس فاتبع طريقا وسطا بين ترتيبي المقريزي وابي المحاسن. اذ قسم كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور الى عهود مستقلة كما فعل ابو المحاسن ، وأورد السنين كما فعل المقريزي ، ولكنه لم يجعل للوفيات ترتيبا زمنيا منفصلا مثل ترتيب ابي المحاسن .
اكتفى المؤرخون في كتاباتهم بذكر الحقائق مجردة عن اسبابها ، فاذا انتهوا الى حكم من الاحكام فانما يكون ذلك من باب التعقيب على الحوادث للعظة والاعتبار . ولا يجري ذلك الا في الحوادث المعاصرة لهم ، ومثال ذلك تعليق المقريزي على تعليم المماليك في الطباق وما طرأ على هذا التعليم من تغيير بعد عودة السلطان برقوق للسلطنة للمرة الثانية ، اذ سمع للماليك في سكنى القاهرة وفي التزوج من اهلها فاخلدوا للبطالة ، كما اشار الى ما ترتب على اهمال هذا التعليم من تنائج ، اذ صار المماليك السلطانية ارذل الناس وأدناهم ، وأخسهم قدرا، وأشحهم نفسا وأجهلهم بأمر الدنيا واكثرهم اعراضا عن الدین ،فخربت ارض مصر والشام بسبب هذا الاهمال ، وبسبب سوء تصرف اولي الامر .
وأشار ابن تغري بردى الى ما نجم على شره الامراء في الحصول على الاقطاعات زمن السلطان برقوق من قلة عدد العسكر بمصر ، ويضيف الى ذلك سببا آخر نشأ من خراب نواحي الاقطاع لما فرض عليها من كثرة المغارم والظلم فضلا عن قلة نظر الحكام في احوال البلاد وترتب على اشتراك هؤلاء المؤرخين في النقل من كتب السابقين نقـلا يكاد يكون حرفيا ، انهم لم يتعرضوا لما نقلوه بالنقد او التعديل .
وعلى الرغم من هذه العيوب فان ما خلفه هؤلاء المؤرخون من كتب ، اقتضى من دارس النظم المملوكية وعلى الاخص نظام الفروسية الحرص على استقصاء ما ورد بها من النصوص ، ومقابلتها وتقرير ما يجوز الاعتماد عليه منها وما لا يجوز ، حتى يتسنى له الوصول الى احكام صحيحة.
ومن المؤلفات الوثيقة الصلة بموضوع الفروسية ما وضع من الكتب عن نظم الدولة المملوكية والموسوعات التي اشتملت على قدر كبير من المعلومات التي ترتبط بالفروسية ، وذلك لان الغرض من وضع هذه الكتب هو ارشاد اولئك الذين يعملون في دواوين الحكومة الى ما ينبغي الالمام به من السياسية والاقتصادية عن احوال مصر والاجتماعية ، وأحوال البلاد التي ترتبط بمصر بعلاقات سياسية وغيرها العلاقات .
ومن هذه الكتب ، كتاب مسالك الابصار في ممالك الامصار ، وهو موسوعة تقع في عشرين مجلدا ، تتناول الدراسات التاريخية والجغرافية والادبية . صنفه ابن فضل الله العمري الذي تولى ديوان الانشاء زمن الدولة المملوكية الأولى وتوفي سنة ٧٤٣ هـ (١٣٤١)، وجمع في هذا الكتاب ما اعتاد ان يؤديه كتاب الدواوين وعلى الأخص ديوان الانشاء واشتهر هؤلاء الكتاب بتنوع ثقافتهم ووفرتها والتزام السجع في كتابتهم . وكهذا كتب المؤلف مختصرا لطيفا اطلق عليه « التعريف في المصطلح الشريف » ليستعين كاتب الإنشاء في اعماله ، اذ وصف فيه اقاليم الدولة المملوكية والبلاد المجاورة لها ، واشار بايجاز الى النظام الادارى للدولة، وضمنه النصائح التي يهتدي بها الكاتب في تحرير الرسائل ، واورد نماذج لهذه الرسائل المختلفة الانواع .
اما القلقشندي الذي توفي سنة ۸۲۱ هـ ( ١٤١٨ م ) ؛ اي بعد وفاة العمري بأكثر من ستين عاما ، فانه صنف مختصرا وسطا بين مسالك الابصار والتعريف ، وهو المعروف بصبح الاعشى في صناعة الانشا جمع فيه ما ينبغي لكاتب الانشا ان يعرفه من الخبرة الفنية بالمداد والقلم والخط والالمام بالتاريخ والادب والتقويم . وعنى القلقشندي بوصف أقاليم مصر ونيابات الشام والبلاد المجاورة ، واهتم بشرح النظام الاداري والسياسي في هذه الجهات . وعرض للقواعد التي ينبغي ان يسير عليها كاتب الانشا في الدواوين ، فاورد في كتابه من نماذج المراسلات السياسية والتقاليد والتواقيع والمناشير ، ما يعتبر ادق ما عرف عن النظام الاداري في مصر المملوكية اوائل القرن الخامس عشر الميلادي ) التاسع الهجري ) . ويختلف القلقشندي عن العمري في انه لم يورد في كتابه الا الوثائق التي يعتقد في صحتها والتي نقلها من المحفوظات التي تقع تحت يده ، ويبدو انه أفاد . من الدفاتر التي خلفها من سبقه من الكتاب في هذه الوظيفة .
أما كتاب خليل بن شاهين الظاهرى المسمى بزبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك ، فانه حوى الوظائف الحربية والادارية في دولة المماليك الثانية التي تقلب في مناصبها حتى قبيل وفاته بالقاهرة سنة ٥٨٧٣ ) ١٤٦٨ م ) .
ولهذه الكتب أهمية فيما أوردته من نظم ادارية وحربية واقتصادية فضلا عما اشتملت عليه من المصطلحات والتعريفات التي اقتضى تحديدها والتثبت من صحتها ، الرجوع الى المصادر التاريخية لمعرفة مدى انطباقها على الواقع التاريخي .
وثمة نوع ثالث (Manuals) المصادر المعاصرة يتمثل في الرسائل الصغيرة من التي وضعها معلمو الفروسية ، لارشاد المعلم والمتعلم الى ما ينبغى معرفته من أصول الفروسية من حيث ركوب الخيل و ریاضتها والتدرب على استعمال الأسلحة المختلفة من الطعن بالرمح والضرب بالسيف ، والرمي بالنبل، ومزاولة ألعاب الفروسية. ومعظم الرسائل التي ورد ذكرها في هذا البحث يرجع الى العصر المملوكي الأول ، اذ اهتم السلاطين بتعليم المماليك في الطباق ، واقتضت الاحوال وضع رسائل لشرح التداريب الحربية وموضوعات الفروسية . ولذا زخرت هذه الرسائل بالمصطلحات الفنية الغريبة عن اللغة العربية ، ولم يتقيد مؤلفو هذه الرسائل بجودة الأسلوب ولا سلامة العبارة ، فكثرت بها الاخطاء الاملائية واللغوية والألفاظ العامية . وأكثر هؤلاء المؤلفين شغل مناصب حربية في الدولة المملوكية ، وحرص على تضمين . مذاهب اساتذة الفروسية ومعلميها في فنونها المختلفة .
ومما تجدر الاشارة اليه حرص أسرة المؤلف على المحافظة على رسائله والافادة منها ومثال ذلك ان نجم الدين حسن الرماح المعروف بالاحدب المتوفي سنة ٦٩٥ ( ١٢٩٨ م ) جمع مذهبه في الفروسية في اثنين وسبعين بندا دونها ابنه صلاح الدين خليل في نسخة نقل عنها كثير من المعلمين ، منهم ابن بكتوت الرماح . وتدل وفرة المخطوطات من هذه الرسائل . المكتبات في الشرق والغرب على كثرة تداولها واستعمالها . وأود أن أختم هنا بشكر استاذى الدكتور محمد مصطفى زيادة الذي والاني بارشاده وتوجيهه طوال المدة التي انفقتها في اعداد هذا البحث في مصر وانجلترا ، كما انى مدين لأستاذى المرحوم محمد شفيق غربال الذي يسر لي السفر في بعثة علمية الى اكسفورد بناء على منه ومن الدكتورين زيادة وكوبلند لاستكمال هذا البحث اقتراح . جامعتها ومكتباتها.
نبذة عن المؤلف :
الدكتور السيد الباز العريني
هو مؤرخ مصري وأكاديمي، عين في وظيفة أستاذ تاريخ العصور الوسطى في كلية الآداب جامعة القاهرة بعد حصوله على الدكتوراه ، وتولى الدكتور السيد الباز العريني العديد من المهام العلمية، فكان عضوا بلجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة (1965 ـ 1966م)، وعضواً باللجنة العلمية الدائمة لترقيات أساتذة التاريخ في جامعات القاهرة و الأزهر وفروعها، وغيرها.
ومن بين مؤلفاته في تخصص التاريخ الإسلامي والعربي:
* الإقطاع الحربي بمصر عصر المماليك
* كتاب العصور الوسطى الأوروبية
* كتاب المغول
* كتاب الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي لمصر.
والله ولي التوفيق
بيروت رمضان ١٣٨٦ يناير ١٩٦٧م
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق