للتحميل PDF | العلاقات الاقتصادية بين دولة المماليك في مصر والبندقية (648-923هـ /1250-1517م) ، أحمد عمر رمضان المسلاتي ، رسالة ماجستير كلية الآداب جامعة بنغازي 2015
عدد الصفحات : 263
الملخص :
الـمـقـدمـــة : كان أكثر الطرق التجارية أماناً التي استخدمت في العصر الوسيط الطريق الذى يأتي من الشرق الأقصى عبر المحيط الهندي إلى البحر الأحمر ، ومنه يسلك طريقين الأول: سيناء إلى دمشق فموانئ البحر المتوسط ، والثاني: عبر الصحراء إلى النيل فالقاهرة، ثم بالنيل أيضاً إلى الإسكندرية، فأوربا ، وشهد هذا الطريق الذي يمر بالأراضي الخاضعة لسلطنة المماليك انتعاشاً ملحوظاً بين فترة وأخرى، ففي النصف الثاني من القرن) السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي( غدا من أكثر الطرق التجارية أهمية ، بعد تعطل الطريق التجاري القادم من وسط أسيا بسبب غزوات المغول، كما انتعش عند هجمات التيموريين وخلال فترة التوسع العثماني في آسيا الصغرى ونزاعها مع دولة المماليك في مصر والدولة الصفوية في إيران ، فقد تسببت هذه الصراعات وما رافقها من اضطراب سياسي إلى قطع الصلات التجارية بين الشرق والغرب بتوقف العمل بالطرق البرية المارة بهذه المناطق مما أضطر التجار إلى استخدام طريق البحر الأحمر فانتعش هذا الطريق وبه انتعشت أوضاع الدولة المملوكية في مصر.
كان لموقع سلطنة المماليك أثر إيجابي على حياتها الاقتصادية بأن جعلها في عهد قوتها تتحكم في البحرين المتوسط والأحمر وبذلك أصبحت أراضيها حلقة وصل بين الشرق الإسلامي والغرب الأوربي, لإطلالها على أقصر الطرق المؤدية إلى الهند ، مصدر السلع المرغوبة في أوربا آنذاك ، حيث كانت موانئ البحر المتوسط وسيلة الاتصال بها من خلال خطوط تجارية منتظمة تمر بتلك الموانئ.
وقد أثرى سلاطين المماليك من التجارة المارة بهذا الطريق فعملوا أولاً وسطاء بين تجار الشرق والغرب، ثم تاجروا بأنفسهم واحتكروا التجارة بعد أن انتزعوها من "التجار الكارمية" وغالوا في احتكارهم لها فارتفعت أسعار التوابل والسلع الشرقية عامة في أوربا إلى أربعة وخمسة أضعاف أسعارها في الهند, وبرغم الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها سلاطين المماليك على أنواع البضائع المتجهة إلى أوربا فقد استمر تركز التجارة على هذا الطريق لعدم سلامة الطرق الأخرى وظل على هذه الحال إلى أن نشطت حركة الكشوف الجغرافية البرتغالية خلال القرن )التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي( وتحول طريق التجارة الشرقية إلى طريق رأس الرجاء الصالح .
وترجع أهمية دراستي لموضوع " العلاقات الاقتصادية بين دولة المماليك في مصر والبندقية " ، لكون العلاقة بين الطرفين كانت تحمل زخماً قوياً تغلب فيه الطابع الاقتصادي البحت على الدين، وهذه العلاقة التجارية لم تعرقلها الحروب الصليبية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط المعروف بحوض الليفانت ، فكان التعصب الديني على أشده آنذاك ،ومع ذلك انتعشت تجارة البندقية انتعاشاً هائلاً وأظهر الطرفان مرونة وليونة من أجل الحصول على احتياجاتهما وعلى المكاسب المادية بالرغم من الصعوبات والمعوقات المتعددة ، ومن هنا تتمثل أهمية دراستي لهذا الموضوع.
أما الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذا الموضوع فهي :
1. رغبتي الشخصية في دراسة المواضيع الاقتصادية وخاصة العلاقات بين الدول ، كون الاقتصاد من أهم العوامل المحركة للتاريخ وقيام الحضارات ، والتجارة من المهن النبيلة زادها شرفاً احتراف بعض الأنبياء لها، فهي مكملة للنشاط البشري في مجالات الزراعة والصناعة فضلاً عن أنها مصدر مهم من مصادر الدخل والثروة للناس والدولة.
2. خلال فترة البحث احتلت التجارة الدولية المرتبة الأولى في العلاقات بين الدول وكانت متزامنة مع الحملات الصليبية التي استمرت بعد استرجاع )عكا( آخر معاقل الصليبيين في بلاد الشام ، وإنما استمرت في شكل حرب اقتصادية مخطط لها بغية إنهاء السيطرة الإسلامية والتحكم بالموقع الجغرافي على تجارة العبور بين الشرق والغرب، وحرمان الدولة المملوكية من مصدر ثراء ضخم يؤدي إلى إضعافها اقتصادياً.
3. كان للاحتكاك بين الحضارات والدول التي حدثت في تلك المدة – مدة الدراسة – الأثر الكبير في زيادة الرغبة لدراسة هذا الموضوع مع صعوبته وتشابك مواضيعه، منها العلاقة بين البندقية والدولة البيزنطية، ولاحقاً مع العثمانيين، وكذلك دخول المغول والتتار على ساحة الأحداث، وآخرهم البرتغاليون وكسرهم لاحتكار البنادقة والمماليك للتجارة الشرقية.
أمـا عــن أهـــداف هـــذه الـــدراســـة فهـــي:
1. توضيح الدور الذي لعبته كل من البندقية وسلطنة المماليك في المجال السياسي والاقتصادي والحربي ، وأثر ذلك على نشاط السكان وتطوره حتى أصبحت البندقية أولى المدن البحرية في شرق البحر المتوسط ،ونتيجة لأزدياد نشاطها التجاري فقد شاركت في الحملات الصليبية للحفاظ على هذه المكانة والحصول على موطئ قدم في الشرق الإسلامي.
2. ذكر ومعرفة الطرق التجارية التي كانت سائدة بين البندقية ودولة المماليك والشرق الأقصى ، وتوضيح أهم المراكز التجارية السائدة آنذاك ، والأثر الذى سببه سقوط القسطنطينية بيد الأتراك العثمانيين وهجمات المغول والصدام بينهما وقلة الأمن في الطرق البرية.
3. إبراز الدور الذى لعبه سلاطين المماليك في حماية التجارة والمعاملة التي عاملوا بها التجار البنادقة والحوافز التي تحصلوا عليها.
4. تبيان الدور الذي لعبه القناصلة البنادقة ودورهم في المجال الدبلوماسي والتجاري والتجسسي وكيف كان له أثراً كبيراً في العلاقات بين الطرفين ،وعرض للفنادق التي كان يمتلكها البنادقة في دولة المماليك وأهميتها بالنسبة للجالية البندقية.
5. ذكر أنواع السلع التي كان يتاجر فيها الطرفان وعلى رأسها الرقيق والتوابل وإعطاء نبذة عن الجمارك التي فرضها المماليك على التجارة المارة ببلادهم ,ومعالجة موضوع العملات المتداولة والاضطراب الذي صاحبها، وظهور نظام المقايضة.
6. الإشارة إلى طائفة التجار "الكارمية" وعلاقتهم بسلاطين المماليك، والمكانة التي وصلوا إليها والدور الذي قاموا به في التجارة الشرقية ،وكيف استطاع المماليك التضييق عليهم عن طريق الاحتكار حتى أفلس الكثير منهم، وأصبح الآخرون من ضمن تجار السلطان.
7. التطرق إلى كشوف البرتغاليين الجغرافية ، وسعيهم إلى الهيمنة على تجارة التوابل على حساب التجار المسلمين واحتكارهم لها ،وتحويلها إلى طريق رأس الرجاء الصالح ،وأثر ذلك التحول الكبير على اقتصاد دول الحوض الشرقي للبحر المتوسط وبخاصة – دولة المماليك والبندقية -.
واتبعت في دراستي لهذا الموضوع مسلكاً علمياً قائماً على المنهج التاريخي السردي ، والوصفي، والمقارن ، والتحليلي أحياناً , محاولاً جهدي ربط الأحداث التاريخية ببعضها.
أمّا عن أهم الصعوبات التي واجهتني في هذه الدراسة ، منها عدم الإلمام الكافي باللغة الإنجليزية ،وقلة المصادر والمراجع رغم سعيي الحثيث للحصول عليها كما أن الباحث في الأوضاع الاقتصادية للدول وعلاقاتها ببعضها يجد معوقات في الحصول على مبتغاه بسبب تبعثر الأخبار والمعلومات التي تتحدث عن الاقتصاد وجوانبه في ثنايا المصادر إلاّ القليل منها ،كما أنها لم تتطرق مطلقاً إلى جوانب مهمة مثل المراسيم البابوية والسفارات والفنادق إلاّ القليل النادر.
ولعلَ من الصعاب الشديدة التي تعرضت لها خلال هذا البحث هو قلة الكتب في مكتبة جامعة بنغازي تسد ما احتجت إليه من مراجع ، يضاف إلى ذلك أن النواحي الحضارية التي من أهمها الحياة الاقتصادية من المواضيع التي يصعب البحث والدراسة فيها، حيث إن لها تأثيراً رئيسياً وجوهرياً في أحوال الدول والناس العامة والخاصة.
ومن الدراسات السابقة التي كتبت حول الموضوع :
1. البندقية جمهورية أرستقراطية ، للمؤرخ الفرنسي: شارل ديل ، ترجمه إلى العربية : الدكتور: أحمد عزت عبد الكريم والأستاذ: توفيق إسكندر ، وهو كتاب قيّم وقامت بنشره دار المعارف سنة 1948 ،وقسم المؤلف كتابه إلى أربعة فصول ، تناول في الأول منها نشأة الجمهورية وتكوينها، والنمو الاقتصادي، وتحدث في الفصل الثاني عن أسباب قوة البندقية، كتنظيم التجارة البحرية وميدانها وسلعها والأخطار التي هددت تجارتها ، كما تطرق إلى مساعدة البندقية للصليبيين في حملاتهم ضد الشرق الإسلامي ، والفصل الثالث افرده لظهور الأتراك العثمانيين، والكشف عن طريق الهند والبرتغاليين، وكفاح البندقية للاحتفاظ بتجارة التوابل وانهيار تجارتها ، أما الفصل الرابع فخصصه لدراسة نهاية البندقية وضياع ممتلكاتها على حساب أعدائها.
وهذا الكتاب غزير المعلومات تناول علاقة البندقية بأغلب الدول التي عاصرتها من بيزنطيين ومماليك وعثمانيين وغيرهم.
2. العلاقات الاقتصادية بين الشرق والغرب في العصور الوسطى ، للدكتور: عادل سليمان زيتون ، ويحتوي هذا المصنف على خمسة أبواب تناول فيها عوامل ازدهار النشاط التجاري للجمهوريات الإيطالية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط و نشاطها التجاري في الدولة البيزنطية، ومن أهم هذه الأبواب الباب الرابع الذي وضّح فيه النشاط التجاري للجمهوريات الإيطالية مع القوى الإسلامية في مصر والشام وتطورها، وفصّل فيه القول عن الأساطيل التجارية والجاليات الإيطالية في مصر والشام ، وفى الباب الأخير تناول النشاط التجاري للجمهوريات الإيطالية في جزر الحوض الشرقي للبحر المتوسط مثل جزيرة قبرص وكريت.
3. طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب ، للدكتور: نعيم زكي فهمي وهذا المرجع مفيد وغني بالمعلومات المهمة ،ويتكون من ستة فصول ألقى فيه المؤلف نظرة عامة عن أحوال دول حوض البحر المتوسط من سقوط القسطنطينية إلى دخول العثمانيين إلى مصر ، والعلاقات التجارية لهذه الدول مع بعضها ، وكذلك الطرق والمراكز التجارية السائدة في العصور الوسطى ،والسلع المتبادلة بين الشرق والغرب، والنظم التجارية السائدة ،وختم هذه الدراسة بكشف طريق رأس الرجاء الصالح ،ونهاية دولة سلاطين المماليك.
واعتمدت على مجموعة من المصادر والمراجع من أهمها :
1. كتاب ( السلوك لمعرفة دول الملوك ) من تأليف : شيخ مؤرخي مصر الإسلامية تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ( م: سنة 845هـ / 1441م ) وهو مؤلف مطول في تاريخ مصر الإسلامية عُني فيه بالتأريخ لمصر منذ الفتح الإسلامي لها إلى قبيل وفاته ،وقد كتبه ليكون خاتمة مؤلفاته في تاريخ مصر والكتاب يقع في أربعة أجزاء، كتبه على نظام الحوليات فسرد تاريخ كل سنة على حدة، والكتاب مهم في علاقته بموضوع البحث، حيث أنه زودني بمعلومات قيمة عن الأحوال الاقتصادية والأزمات التي تعرضت لها مصر في موضوع الدراسة، وهو دقيق في رواياته وثقة في أخباره وسلك فيه مؤلفه سبيلاً فلا هو بالكثير الممل ولا بالمختصر المخل ، وكان مكان الفائدة منه في الفصول الأول والثاني والرابع.
2. كتاب ( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ) لمؤلفه :جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي ( م: سنة 874هـ / 1469م ) وهو أحد تلاميذ شيخ المؤرخين المقريزي ، ويقع الكتاب في ستة عشر جزأً والأجزاء من السابع إلى السادس عشر خاص بدولة المماليك ،ولهذا الكتاب قيمة تاريخية وأسلوبه سهل العبارة، وهو مصدر مهم لدراسة تاريخ المماليك، واستفدت منه في الفصلين: الأول والرابع من دراستي.
3. كتاب ( إنباء الغمر بأنباء العمر ) لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( م: سنة 852هـ / 1448م ) واشتمل كتابه )الإنباء( على الحوادث الواقعة في الفترة من )سنة 773هـ إلى سنة 850هـ ) من تاريخ دولة المماليك ولم يقف ابن حجر عند الحوادث السياسية فقط وإنما تناول معها الأوضاع الاقتصادية وغيرها ، ليس في مصر والشام وحدهما بل وفى الحجاز، والعراق، واليمن والمغرب العربي وإن استأثرت حوادث دولة المماليك – في هذه الفترة – بالحيز الكبير من كتابه ، وكان ابن حجر يكتب حولياته بعد انقضاء مدة من حدوثها فكانت رؤيته للأحداث مكتملة وكانت مقرونة بعلاتها ومسبباتها ، وكان هذا الكتاب ذا فائدة كبيرة لي في الفصلين الثاني والرابع.
كذلك استفدت في دراستي هذه من الكثير من المصادر الأخرى، مثل المصادر الجغرافية، وكتب الرحالة، وكتب التراجم والطبقات، والتي سوف أوردها في قائمة المصادر والمراجع .
واستعنت أيضــاً بالعديد مـن المراجــع العربيـة والأجنبيــة المترجمة من أهمهــا :
1. كتاب ( تاريخ التجارة في الشرق الأدنى في العصور الوسطى ) لمؤلفه: فلهلم . هايد، وترجمة: أحمد رضا محمد رضا ، ويعد من أفضل الكتب التي تدرس تاريخ العلاقات الاقتصادية بين الشرق والغرب في العصور الوسطى ، ويتكون من أربعة أجزاء ، تطرق إلى تفاصيل دقيقة عن التجارة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط بين المدن والجمهوريات الإيطالية والشرق البيزنطي والعثمانيين والمسلمين في مصر وبلاد الشام، وغيرها من الجوانب كتجارة طريق الحرير، وهجمات التتار والصين، والهند، وفارس ، وظهور البرتغاليين على مسرح الأحداث وتكلم عن السلع والحاصلات التي كانت متبادلة بين الشرق والغرب ، والحقيقة أن هذا المرجع كان خير عون لي في أغلب فصول رسالتي.
2. كتاب ( في طلب التوابل ) للمؤلفة الانجليزية: سونيا . ي . هاو، وصنف هذا الكتاب باللغة الفرنسية، وترجمه إلى العربية: محمد عزيز رفعت ،ويتألف من جزأين: الجزء الأول: ويقع في أربعة فصول تحدثت فيه عن التوابل ومصادرها ،وعن مراكز التجارة كالإسكندرية ، وعن تواجد التجار الفرنجة أيام الفاطميين والأيوبيين في مصر وعن دور الحروب الصليبية في إعادة الاتصال التجاري بين الشرق والغرب، أما فيما يخص الجزء الثاني الذي قسمته إلى تسعة عشر فصلاً ،تطرقت فيه إلى مواضيع مختلفة منها، الأمير هنري الملاح وكشوف البرتغاليين الجغرافية ، وهكذا كان هذا المرجع ذا فائدة كبيرة لي في هذه الدراسة في أغلب الفصول .
كذلك استعنت بالعديد من الدوريات والرسائل العلمية وغيرها من المراجع التي بتوفيق من الله تمكنت من خلالها أتمام هذه الرسالة.
وبعد فقد اشتملت رسالتــي على مقدمــة وخاتمــة وستــــة فصول ، ورأيت أن أذيلها ببعض الخرائــط وملحــق وهى ذات فائدة للموضوع.
ولقد آثرت في تقسيمي لهذا الموضوع أن ابدأه بفصل تمهيدي في محاولة لتوضيح نشأة البندقية وتكوينها وخصوصية موقعها ، وإلقاء لمحة عن توسعها في الحوض الشرقي للبحر المتوسط ، وأشتمل أيضاً على إشارة موجزة عن مشاركتها في الحملات الصليبية وفقاً لمصالحها التجارية ، وكيف أصبح البحر المتوسط بحراً أوربياً بقيام تلك الحروب.
وفى الفصل الأول: ( الطرق والمراكز التجارية بين دولة المماليك والبندقية ) ألقيت الضوء على الطريق التجاري بين المماليك والبندقية ، إلى جانب قوافل البندقية البحرية ومواسمها وفقاً لهبوب الرياح وحالة البحر ، بالإضافة إلى المراكز التجارية في دولة المماليك والأسواق فيها واستخدام النيل في نقل السلع بين القاهرة والإسكندرية،وأفردت القول عن الطريق التجاري بين الغرب التجاري وبين الشرق الاقصى ودولة المماليك وبعض محطات التجارية وكيف فقد ميناء جدة أهميته أمام ازدياد نفوذ ميناء عدن ، وتناولت صعوبة الملاحة في البحر الأحمر ، وكيف أن هذا الطريق ازدادت أهميته بسبب الاضطرابات من هجمات المغول وغيرها مما تسبب بقلة الأمن في الطرق البرية ، وأعطيت بسطة عن المراكز التجارية الواقعة على بحر الصين وبحر العرب.
أمّا الفصل الثاني ( العلاقات التجارية والسياسية بين المماليك والبندقية ) فيبحث في أهم الأسباب التي دفعت البنادقة للتجارة مع المماليك، كالحروب الصليبية وقصر المسافة والأمان بين موانئ دولة المماليك والبندقية ،وكيف أصبحت الطرق البرية غير مأمونة فاضطر البنادقة إلى الاتجاه نحو أراضي المماليك بالرغم من القرارات البابوية بتحريم التجارة مع المسلمين وكيف تحايلوا على تلك المراسيم محافظة على رخاء مدينتهم وتجارتها ، ثم كيف نجح الطرفان عبر السفارات والمعاهدات في تقوية الروابط الاقتصادية والاستمرار في التبادل التجاري بالرغم من كثرة المعوقات حتى سقوط دولة المماليك.
واختص الفصل الثالث ( بالتنظيمات التجارية للبنادقة في دولة المماليك ) وعالجت فيه تشجيع المماليك للتجارة وحمايتها من أخطار القرصنة، وبينت إصدارهم أوامر ومراسيم تشجع التجار على الإقامة في بلدهم ،وكيف ضمنوا لهم حسن المعاملة لدرجة أنهم اشترطوا على الولاة عند تعيينهم المقدرة على استجلاب التجار واستمالة قلوبهم ،وأوضحت أن للبنادقة المرتبة الأولى التي تميزوا بها عن بقية التجار ، وهذه المزايا ضمنها لهم قنصلهم، الذى كان دائم التواجد في سلطنة المماليك للدفاع عنهم وعن مصالحهم وكان متصلاً بالسلاطين وكان مقر أقامته فندق جاليته ، وتتبعت مسئوليات القنصل تجاه جاليته ومهمة الإشراف على الفندق حيث كان خاضعاً لسلطته.
وأما الفصل الرابع ( المعاملات التجارية بين المماليك والبندقية ) فتحدثت فيه عن السلع المتبادلة بين الطرفين ومن أهمها الرقيق والتوابل ، والرسوم الجمركية التي فرضها المماليك ، وتتبعت العملات المتداولة وقيمتها ودخول عملة البندقية إلى مصر والشام واستقرارها كعملة رئيسة ، ونظام المقايضة والأسباب التي دعت إلى ظهوره ، وكشفت في هذا الفصل اللثام عن التجار الكارمية والمكانة التي تمتعوا بها وما آل اليه حالهم بسبب الاحتكار الذى فرضه سلاطين المماليك على التجارة الشرقية المارة ببلادهم.
وأتممت هذه الدراسة بالفصل الخامس الموسوم بــ : ( الكشوف الجغرافية البرتغالية وأثرها على العلاقات بين المماليك والبندقية ) حيث أثبت فيه أن الكشوف البرتغالية لم تكن مغامرة تزول آثارها بعد فترة وإنما كانت عملاً مخططاً له تداخلت فيه العوامل الاقتصادية والدينية والسياسية ،وبُنيت على أسس علمية أتت ثمارها بالوصول إلى الهند وكيف ثابر البرتغاليون بقوة لتنفيذ أهدافهم بانتزاع التجارة الشرقية من المسلمين، وتحويل الطريق التجاري إلى رأس الرجاء الصالح، وظهر أثر ذلك سريعاً في دولة المماليك بخراب مدنها التجارية كالإسكندرية ، وتتبعت محاولات المماليك استعادة نفوذهم القديم في الوقت الذى أصبح فيه التواجد البرتغالي في المياه الشرقية قوياً ، وحاولت أن أظهر كيف بات حلم الصليبيين وهو استعادة بيت المقدس قريب المنال لولا – إرادة الله - وظهور قوة جديدة بتقدم العثمانيين صوب المشرق العربي وتم إنهاء الحكم المملوكي.
وفى الختام أرجوا أن أكون قد تمكّنتُ من التعريف بالعلاقات الاقتصادية بين المماليك والبندقية ، وقد بذلت ما بوسعي وكل ما استطعت من جهد لكتابة هذه الرسالة إسهاماً متواضعاً في تدوين جانب من تاريخنا الاقتصادي ، والله أسأل أن أكون قد وفقت فيما ذهبت إليه ، وأضفت لبنة جديدة في خدمة التاريخ الإسلامي.
الرابط
اضغط هنا
0 التعليقات :
إرسال تعليق