عناصر الجيش المملوكي " الأتراك والوافدية وهجرتهم إلى مصر" (2)
الدكتور / السيد الباز العريني
الناشر : دار النهضة العربية بالقاهرة 1967م
ظل المماليك البرجية طوائف معمورة عدة سنين ، بدليل انه حين اتفق السلطان حسن والامراء سنة ٧٤٨ هجرية على تخفيف المصاريف السلطانية وتقليل النفقات بسائر الجهات ، تقرر الاستغناء عن البرجية من المماليك السلطانية . وقابل البرجية هذا الاجراء بمحاولة عزل السلطان حسن وتولية اخيه حسين في نفس السنة ، غير ان مؤامراتهم . على اربعين منهم ونفوا الى البلاد الشامية ، وضربت طائفة اخرى بالمقارع ثم حبست بخزائن الشمائل ، ومنذ ذلك الحين لم يسمح بالدخول الى قصر السلطان الا لأمراء المشورة انكشفت ، وقبض ثم تغيرت الاحوال زمن السلطان شعبان بن حسين ، اذ استطاع أحد البرجية الباقين بالقاهرة، وهو برقوق الجركسي ، أن يصل الى منصب الاتابكية ، فأخذ يعمل على جلب الجراكسة من جديد ولا سيما زمن السلطان حاجى بن شعبان ، وترتب على ذلك ان صار الجراكسة مرة اخرى أصحاب السلطة الكبرى في البلاد الى درجة جعلت برقوق يعزل حاجى بن شعبان ، ويتولى السلطنة سنة ٧٨٤ هجرية .
ذلك على أن العنصر التركي ظل قوة لا يستهان بها في عصر برقوق ، ويتضح من خروج الأميرين التركيين يلبغا ومنطاش على برقوق سنة ٧٩١ . وعلى الرغم من افاضة المصادر المملوكية في ذكر وقائع هذه الفتنة فانها جهلت أن الحرب بين برقوق وأعدائه لم تكن موجهة فحسب ضد السلطان وحده بل ضد الجراكة كذلك. وأنتهت المرحلة الأولى من هذه الحرب الطويلة بنفي برقوق الى الكرك سنة ٧٩١ هجرية وتشريد مماليكه من الجراكسة ، واقامة سلطان اسمه المنصور من البيت القلاوني . ثم تطورت الأحوال بانحياز الجراكسة الى جانب منطاش في نضاله ضد يلبغا ، وبذلك انتصر منطاش على منافسه ، وصار مدير مملكة السلطان المنصور ، غير أن منطاش أساء الى الجراكسة أكثر المماليك عددا ونفوذا ، وأحسوا بقوتهم حتى أنهم حاولوا اغتيال برقوق سنة ٨٠٠ هجرية ، وهى السنة التى توفي فيها برقوق . وانتقم السلطان فرج ابن برقوق لأبيه من الجراكسة لنكرانهم أفضاله عليهم، ولأنهم أرادوا ألا تكون السلطنة وراثية بل مملوكية قاعدتها تعيين واحد. ، فاخذ في منهم اضطهادهم غير أن وسائله الاضطهادية لم تجد نفعا ، لأن الجراكسة أضحوا أكثرية مطلقة، على حين بات الترك أقلية لا تذكر .
وهذا هو تفسير نجاح الجراكسة في خلع السلطان فرج ومقتله ، وتوليه الخليفة المستعين بالله منصب السلطنة مدة قصيرة حتى وقع الاختيار أخيرا على أمير جركسى لتولية ذلك المنصب وهو المؤيد شيخ . ومع أن السلطان الجركسي الجديد اشتهر بميله للأتراك ، فان ذلك لم يقلل من القوة التوجيهية في الدولة والجيش في أيدى الجراكسة نتيجة اكثار السلاطين في جلبه .
ومما يدل على سيطرة الجراكسة في الدولة أن المؤيد شيخ أراد أن يضمن ولاية العرش لابنه المظفر احمد ، فعين الطنبغا القرمش اتابكا ، اذ لا يخشى منه أن يثب على العرش موضع ابنه لأنه لم يكن من جنس القوم بل كان تركيا ، ويقابل ذلك ارتفاع شان افراد من المماليك الجراكسة لكونهم جراكسة فحسب ، ومثال ذلك قرقماس بن عبد الله الأشرفى الذى صار أمير عشرة على عهد السلطان برسباي ، وهو لا يحسن الفاتحة ولا مسك لجام الفرس ولا يفرق بين الرجل والمرأة الا أن هدى لذلك ، وليس له من المحاسن الا انه جاركسى الجنس لا غير .
واشتهر طوخ بن قبد الله الجكمي أحد أمراء الطبلخاناة بالتجاهر بالمعاصى و ادمان الخمر ، ولم يكن فيه من الصفات سوى أنه جاركسى الجنس ايضا ، وهذا عندهم في الغاية القصوى على قول ابن تغرى بردی . من ويدهش المؤرخون المعاصرون لما تمتع به بعض أفراد من الجراكة من الاحترام والتقدير في غير استحقاق ، ومن هؤلاء سيف الدين لاجين الجركسي الذي رشحه خشداشيته من الجراكسة للسلطنة بدلا السلطان فرج ، وكذلك كسو بن عبد الله الظاهري الذي رشحه الجراكسة ، وهو جندى ، لمنصب السلطنة غير ان تأليف الجيش المملوكى لم يقتصر في العصر المملوكي الثاني على المشتروات من الجراكسة فحسب، بل اعتمد كذلك على ما عكف عليه السلاطين الجراكسة من سياسة استقدام أقاربهم في أعداد كبيرة ، ومن بين هؤلاء نسبة كبيرة من البالغين الذين لم يتلقوا تعليما حربيا شأن الذين جلبوا صغار السن من المماليك .
وحصل اولئك الاقارب على مناصب كبيرة ، فاصبحوا أمراء وخاصكية دون أن يكونوا ارقاء ، وهذا هو معنى قول المقريزى ان معظم الجيش صار مكونا من رجال أصحاب مهن وحرف ما بين ملاح سفينة ووقاد في تنور خباز ومحول ماء في غيط أشجار ونحو ذلك ، ولذا ليس عجيبا أن تصبح المماليك السلطانية أرذل الناس وأدناهم وأخسهم قدرا وأشحهم نفسا ، وأجلهم بأمر الدنيا ، وأكثرهم اعراضا عن الدين ، وليس عجبا كذلك أن يصبح الجيش عاجزا ، وان تصبح الدولة المملوكية في ضعف وانهيار السوء ابالة الحكام ، وشدة عبث الولادة ، وسوء تصرف أولى الأمر حتى انه ما من شهر يمضى الا ويظهر من الخلل العام ما لا يتدارك فرطه .
والخلاصة أن النصف الثانى من دولة المماليك الجراكسة يصح وصفه بانه عصر الأقارب والأصهار ، فقد ولى اينال الحكم دون عناء لان كل الامراء كانوا أصهارا له ، وبلغت قاعدة القرابة منتهاها في عهد قابتبای ، وفي عصر الغورى توجد أدلة كثيرة تشير الى تولية الأقارب وظائف كبيرة ومن العناصر الأخرى التي استعان بها سلاطين المماليك في توطيد سلطانهم عنصر الخوارزمية الذين يعتبرون أول الوافدين على بلاد الشام تحت جيوش جنكيز خان، وهو ما تقدم تفصيله في موضعه . ضغط هذه ومن العناصر كذلك طوائف الأكراد الشهرزورية ، نسبة الى شهرزور ، وهي مدينة السليمانية الحالية بكردستان .
وجاء اولئك الأكراد الى دمشق سنة ٦٥٩ هجرية فرارا من جند هولاكو ، وهي في طريقها الى بغداد، وبلغت عدتهم نحو ثلاثة آلاف ، ومعهم أولادهم ونساؤهم فسر بهم الملك الأيوبي بدمشق وقتذاك، وهو الناصر يوسف ، غير انه لم يلبث ان أعرض عنهم بسبب شعبهم ، فساروا عنه الى الكرك ، حيث أقام الملك الأيوبي الآخر وهو المغيث بن العادل الثانى ، لكنهم ما لبثوا ان ضايقوه بسلوكهم . وانتهى بهم الأمر الى النزول على الساحل بغزة ، حتى وسمح لبعضهم بالقدوم الى القاهرة ، وأقطعهم استأمنهم بيبرس الاقطاعات . ومع هذا دبر الشهرزورية مؤامرة فاشلة لاغتيال بيبرس وتولية أحد الأيوبيين مكانه ، وهو العزيز بن المغيث ، ولذا شرد أولئك الشهرزورية ، ولم يبق منهم بالقاهرة الا فئة قليلة ظهرت أيام كتبغا سنة ٦٩٣ ، وانضمت الى الأويراتية ، على حين انحاز البرجية الى سنجر الشجاعي .
أما التركمان وهم . بهم العنصر الخارجي الثالث في الجيش المملوكي ، فيرجع استخدامهم الى ما قبل عصر سلاطين المماليك ، اذ استعان السلطان صلاح الدين في حروبه الأولى ضد الصليبيين ، وحمل اليهم الاموال والخيول والتشاريف فقدم اليه منهم خلق كثير . واستعان السلطان بيبرس في حروبه ضد الصليبيين كذلك ، وأنزلهم بعد استيلائه على يافا سنة ٦٦٦ بالبلاد الساحلية لحمايتها ، وكذلك فعل السلطان قلاون . وظهر من بين أولئك التركمان بهادر المعزي الذي بهم صار من أمراء الألوف زمن السلطان لاجين قام تاجر المماليك بدور كبير في جلب هذه الأجناس المختلفة الى مصر ، فلا عجب اذا تردد اسمه كثيرا في المصادر التاريخية على أنه
أول حائز للمملوك ، وأول استاذ له . ويشير الى هذه الحقيقة الأمير حسام الدين المجيري، الذي بعث به السلطان الناصر محمد بن قلاون سنة ٧٠١ هجرية برسالة الى غازان ملك التتار ، حين سأله عن سبب تلقيبه بالمجيري ،اذ قال « نحن تشترينا التجار ونحن صغار ، ثم يجلبوننا الى البلاد ، اينتسب كل منا الى اسم تاجره ولقبه » . ويلقب تجار المماليك غالبا بلقب خواجا ، وأحيانا يطلق عليهم التجار الخواجكية . ومن الأمثلة على ذلك الخواجه عثمان التاجر ، والخواجه كزل ، والخواجا علاء الدين والخواجا مجد الدين السلامي ، والخواجا علاء الدين السيواسي ، والخواجا محمود شاه اليزدي ، والخواجا، ناصر الدين، والخواجا محمود وغيرهم . ولم تشر المراجع الى تاجر من تجار المماليك باسمه الا اذا جلب مملوكا أو عددا من المماليك النابهين، من صاروا أصحاب الوظائف الكبيرة في الدولة. ومن هؤلاء التجار المشهورين الخواجا
محمود ، في بعض المصادر ، والخواجا محمود بن رستم في بعضها الآخر ،تاجر السلطان قایتبای والخواجا، محمود شاه اليزدى تاجر المؤيد شيخ ، والخواجا كزل ، والخواجا كزل تاجر الظاهر جقمق ، ويلبغا الكزلي الظاهري ، والخواجا خليل تاجر جاركس بن عبد الله خليل اليلبغاوى أمير آخور السلطان برقوق وعظيم الدولة ، والخواجا سالم تاجر يلبغا السالمي ، والخواجا جوبان تاجر بركة بن عبد الله الجوباني اليلبغاوى رفيق السلطان برقوق وخجداشه ثم غريمه ، والخواجا يشبعا، تاجر أرغون الظاهرى ، وتغرى بردى والد المؤرخ وغيرهم كثير .
ومن هؤلاء التجار من وردت أسماؤهم كاملة ، ولهم اهمية خاصة مثل الخواجه عبد الواحد بن بدال التاجر الذى ينسب اليه الامير اقبعا عبد الواحد مقدم المماليك السلطانية ، في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاون ، وأشهر منه فخر الدین عثمان بن مسافر تاجر السلطان برقوق وأبيه أنس فقد كان معتبرا من أعيان المملكة . وعرف السلطان برقوق له قدره، فكان لا يرد له شفاعة ولا يخيب له رجاء . واشتهر عنه بانه لم يكن يعرف اللغة العربية .
ويتضح من اسماء هؤلاء التجار، ان غالبيتهم من غير العرب . أما مجد الدين اسماعيل بن محمد السلامي فهو أشهر أولئك التجار جميعا ، اذ اشتغل لحساب السلطان الناصر محمد بن قلاون ، وهو بین عربي الاصل ، ولد بسلامة من أعمال الموصل وعرف باسمه المشهور به وهو المجد السلامي ، وجاءت شهرته من الدور الذي قام به التوثيق العلاقات السلطان الناصر محمد بن قلاون ، والقان أبي سعيد ملك التتار ، وسمح أبو سعيد للمجد السلامي بشراء المماليك من بلاده ، وصرح له بالاقامة هنالك ، كلما دعت الحاجة الى ذلك .
واشتهر بعض أولئك التجار أحيانا باسم تاجر الخاص ، وأصبح الواحد منهم مكلفا بجلب المماليك للسلطان ، ولذا عهد بهذه الوظيفة احيانا الى أمير من أمراء المماليك . ومن بين الأمراء الذين شغلوها اقبال بن عبد الله المحمدى الظاهرى الساقي المعروف باقبال ضضغ الذي بلغ منصب السلحدارية بامرة عشرة في عهد السلطان فرج
واذا وصل تاجر المماليك الى القاهرة لقى أنواع الحفاوة من السلطان ولا سيما أيام الناصر محمد بن قلاون ، ويشير القلقشندي الى مسامحة التجار الخواجكية بما يلزم من المكوس والمقررات السلطانية عن نظير ثمن ما يباع منهم من المماليك .
لم تشر المصادر الى أثمان الأجلاب من المماليك ، ما عدا الذين برزوا في الحياة العامة، وولوا مناصب كبيرة ، وارتقوا في سلك الجيش، فمثلا تذكر المصادر المملوكية أن المنصور قلاون لقب بالألفي لأنه دفع فيه ألف دينار . على أنه من المعروف أن الأمير اقطاى بن عبد الله الصالحي اشترى بدمشق بألف دينار ، ولم يلقب بالالفى . وثمة مماليك آخرون ، اشتهر كل منهم بالالفى ، ولم تفسر المصادر أسباب هذه التسمية ، مثال سنقر الالفى، وسنجر الالفى ، وقانصوه الالفى، ثم ان هناك يشبك المؤيد اشترى بالفي دينار كما أنه لم يعرف بالضبط السر في نعت قانصوه خمسمائة وقائم خمسمائة والطواشي مرجان المعروف بستمائة ، بهذه الألقاب .
وتشير المصادر الى بعض الأمراء الذين أدت الأحوال الى بيعهم من جديد ، أثناء امرتهم، وذلك لسقوط قيد عتقهم ، فدفعت فيهم اثمان تختلف طبعا عن أثمانهم الأولى . ومن هؤلاء الأمراء ايتمش بن عبد الله الأسند مرى البحاسي الجرجاوي الذي اشتراه السلطان برقوق سنة ٧٨٥ للمرة الثانية بمائة الف درهم ، بعد ان تبین له أنه ما زال في الرق لدى ورثة الأمير جرجى نائب حلب . وجعل برقوق هذا الأمير أتابك العساكر.
كذلك يشبك بن عبدالله الاتابكي المعروف بالمشد ، اذ كان مملوك الامير سودون البجاسي، نائب حلب . فلما مات سودون ، استولى عليه الامير يشبك الأعرج الساقي نائب قلعة حلب وقتذاك بغير طريق شرعي ، ثم باعه بعد مدة للظاهر ططر قبل سلطنته ، غير أن الأمير ايتمش الخضرى المتحدث على أولاد السلطان فرج بن برقوق أنكر ذلك البيع ، باعتبارهم الورثة الوحيدين لسودون مملوك ابيهم ، فاشتراه ططر مرة اخرى بمائة دينار بطريق التحدث والوصية الشرعية فأعتقه ، وارتقى في وظائف الجيش حتى نال امرة طبلخاناة . وبلغ بارسباى أثناء سلطنته هذا الخبر ، فاشتراه اذ ذاك من أناس بألف دينار وأعتقه ثم أنعم عليه بامرة مائة وتقدمة الف .
وثمت أمير آخر تكرر شراؤه ، انما لم يذكر ما دفع فيه للمرة الثانية وهو كشتندى بن عبد الله ، من كبار أمراء السلطان الظاهر بيبرس ، وارتفع شأنه عند السلطان قلاون الى أن ظهر قبل موته بمدة يسيرة أنه باق في الرق ، فاشتراه من مواليه وأعتقه ، وشاع في الدولة ذلك العمل .
ويشير المقريزى الى أن السلطان الناصر محمد بن قلاون كان أكثر السلاطين سخاء في شراء المماليك ، وبلغ ما دفعه ثمنا لمملوك واحد مائة الف درهم احيانا ، مما جعل الأب يجد سعادته في بيع ابنه الى تاجر يجلبه الى مصر . واقتدى الامراء بالسلطان في ذلك ، وأدى ذلك الى زيادة أثمان المماليك عند شراء التجار لهم ، حتى بلغ عشرين الف وثلاثين الف واربعين ألف درهم • غير أنه يبدو أن الناصر لم يدفع أثمانا بهذه الضخامة الا مرتين ، وذلك حين اشترى صرغتمش بخمسة وثلاثين الف درهم ، فضلا عن تشريف أستاذه ومسامحته في عدة من المقررات ، وحين دفع درهم في شراء ملكتمر الحجازى ، وذلك بسبب جمال الخلقة وطول القامة وحداثة السن في هذين المملوكين ، عند شرائهما .
وتبدو ضخامة هذه المبالغ مما هو معروف عن متوسط أثمان المماليك في ثلاث حالات ، ترجع كلها الى القرن التاسع الهجرى . ففي سنة ٨٣٦ اشترى السلطان برسباى عدة مماليك، منهم فايتباى الذى أصبح سلطانا ، من الخواجا محمود ، ودفع ضريبة كل مملوك خمسين دينارا .
وفي سنة ٨٧١هـ اشترى السلطان فايتباى جماعة من المماليك ضريبة الواحد منهم مائة دينار ، وذلك بعد أن منع السلطان جلب المماليك مدة شهر ، وزادت اثمانهم بسبب ذلك . وفي سنة ٨٧٣ أشترى السلطان فايتباى كذلك ، مماليك كتابية كانوا في حوزة سلفه خشقدم ، ودفع في كل منهم عشرة الاف درهم ، فيكون متوسط ثمن المملوك في القرن التاسع ما بین ۵۰ ، ۷۰ دينارا .
وجرت صفقات شراء المماليك بالقاهرة اولا بخان مسرور ، وموضعه من باب الزهومة قرب الصاغة الحالية الى الجامع الازهر ، ويجاوره حجرتان للرقيق ودكة المماليك ، وكذلك دكة المحتسب لمراقبة ما يجرى من بيع وشراء . وظلت هذه السوق قائمة حتى سنة ٨٤٩ ثم انتقلت الى سوق جديدة ، أنشأها السلطان قانصوه الغورى سنة ٩٢٠ بجوار خان الخليلي .
ويبدو من ذلك أنه كان في . الجراكسة سوق واحدة على الأقل لبيع المماليك . عصر ولبيت المال أهمية كبيرة في شراء المماليك لأن العرف جرى على أن يشترى السلطان المماليك الجدد بمال من هذا البيت ، والسلطان هو الذي يعتقهم من ملكيته ، غير انه كثيرا ما حدث ان توفى سلطان من السلاطين ولديه من المماليك الكتابية من لم يعتق . وفي هذه الحالة يشتريهم السلطان الجديد بمال من بيت المال مرة أخرى ، على أن يذهب جزء من ثمن الشراء لأسرة السلطان المتوفى . ففي سنة ٨٧٣ أمر السلطان قايتباى بعقد مجلس في القلعة بحضور القضاة لشراء المماليك الكتابية التابعين للظاهر خشقدم ، فاشترى السلطان نحوا من خمسمائة مملوك ، ضريبة كل مملوك عشرة الاف درهم ، لكنه طمع في حق أولاد خشقدم ، ولم يدفع لهم نصيبهم .
ويتعلق بهذا الموضوع ما ورد من نصوص عن عصر السلطان الناصر محمد بن قلاون السلطنة سنة ٧٠٩ ، وتولى نيابة الكرك ، بتقليد من السلطان المظفر بيبرس ، اذ بعث بيبرس الى الناصر ، يطلب اليه ارسال المماليك الذين عنده ، لأنهم اشتروا من بيت المال فأثار بيبرس بذلك ممالیکه من بيت المال : الناحية القانونية في الاحتفاظ ، بسبب عزله عن حين عزل نفسه عن مسألة فقهية وهى ان الناصر اشترى جميع له الحق من عندهم البينة بأن . وليس ! بهم السلطنة .
ولما عاد الناصر الى السلطنة سنة ٧٠٩ ، استدعى القضاة، وأقام ما وقفه جميع مماليك السلطان المتلفر بيبرس وجميع من الضياع والأملاك ، اشترى من بيت المال ، فوافق القضاة على ذلك. وندب السلطان الأمير جمال الدين أقوش الأشرفي نائب الكرك لبيع تركة المظفر بيبرس واحضار نصف ما يحصل، ودفع النصف الآخر للابنة الوحيدة التي خلفها المظفر بيبرس ، وهى زوجة الأمير برلغي الأشرفي ، وفعل الناصر مثل ذلك بمماليك سلار و اوقافه وضياعه .
0 التعليقات :
إرسال تعليق