الجمعة، 1 سبتمبر 2023

عناصر الجيش المملوكي " الأتراك والوافدية وهجرتهم إلى مصر"

 عناصر الجيش المملوكي " الأتراك والوافدية وهجرتهم إلى مصر" 

الدكتور / السيد الباز العريني 

الناشر : دار النهضة العربية بالقاهرة 1967م 


عناصر الجيش المملوكي - الترك - حروب التتار واثرها في تجارة الرقيق - الوافدية - هجراتهم الى مصر - ا - انخراطهم في الجيش المملوكي - علاقتهم بالمماليك السلطانية - الجراكسة شرانهم زمن اسرة قلاون - النزاع بين الجراكسة والترك ذ سلطنة برقوق وتغلب الجراكسة - اهمية تاجر المماليك - اثمان المايك الاكثار من الفروسية نظام طبيعى في المجتمع الاسلامي ، وشأن المجتمع الاسلامي في ذلك شأن غيره من اصناف المجتمع الانساني المنظم ، وتطورت نظم الفروسية في هذا المجتمع وتفرعت على ايام الخلفاء الراشدين والايوبيين والعباسيين ، فكان من فروعها الفتوة والاسماعيلية (الفداوية) . واضحت الفروسية نظاما عسكريا محبوكا ذا خصائص فريدة ايام سلاطين المماليك في مصر والشام ، وهذا يتطلب هنا اولا شرح عناصر الجيش المملوكي لمعرفة اصول الفروسية فيه ، على ان يكون لذلك بحث خاص في اصول الفروسية المملوكية . تألف الجيش المملوكي بمصر من اربع فئات ، وهي المماليك السلطانية ويشملون مماليك السلاطين المتقدمين وهم القرائصة و مماليك السلاطين الذين في دست الحكم ، وهم المشتروات ويطلق عليهم في كثير من الاحيان الجلبان او الاجلاب  ، ويضاف الى هؤلاء جماعات المماليك الذين ينتقلون الى خدمة السلطان وفاة سادتهم من الامراء ، او لسبب عزل بعض الامراء او مصادرتهم ويطلق على هذه الجماعات الأميرية اسم السيفية . من اما الفئة الثانية فتشمل مماليك الامراء اصحاب الاقطاعات و ارباب الدولة والوظائف ، ويعرفون باسم اجناد الامراء . ويطلق على الفئة الثالثة اجناد الحلقة وهم الذين يجنون من عناصر مختلفة . اصناف المماليك الذين تقدمت الاشارة اليهم فضلا عن بعض المتعممين  ، وثمة فئة اخرى تضم مماليك ابناء الامراء ، واشتهر اولئك الابناء باسم اولاد الناس ، كما اشتهر مماليكهم باسم مماليك اولاد الناس  . وجاءت عناصر الجيش المملوكي من اجناس مختلفة وأولها جنس الترك . على ان لفظ الترك يشمل معان كثيرة ، فهو تسمية خاطئة لدولة المماليك الاولى في مصر ، وهو اسم جنس للماليك الذين جاءوا من بلاد قبجاق، وهم اصحاب السيادة في العصر المملوكي الأول ، وموطنهم منذ اوائل العصور الوسطى حوض نهر ارتش . ثم اتجهت فئة منهم  جنوبا نحو حوض نهر سرداريا سيحون في القرن الثاني عشر الميلادى (القرن السادس الهجري ) ، بينما اتجهت فئة اخرى الى شرق اوروبا حوالي ذلك الزمن  . 

ودخل هؤلاء واولئك جميعا في حوزة التتار وجنكيز خان، ولا سيما بعد ان توجه باطو خان بن دوش خان بن جنكيز خان نحو البلاد الشمالية ، وأخضع لسلطانه سكانها من القبجان والعلاق واللان والادلاق والجركس فضلا عن الروس . وغدت مملكة باطوخان، ومقرها صراي على نهر الفلجا تمتد من خوارزم الى اطراف القسطنطينية ، ومن بلاد الروس الى القوقاز ، وبذا امتزج التتار والمغول بالترك في هذه البلاد  ونشطت حركة جلب الرقيق من العناصر التي خضعت للتتار على يد تجار مختلفين ، واقبل ابناء الملوك من الايوبيين على اقتناء اعداد كثيرة من ذلك الرقيق لانشاء الجيوش الكافية لحروبهم الداخلية ولاسيما الصالح ايوب بن السلطان الكامل الذي اكثر في شراء المماليك بعد ان عليهم ، تمكينا لنفسه في ولاية الاعتماد تبين له فساد الخوارزمية وعدم ا العهد وجعلهم بطاقته والمحيطين بدهليزه وسماهم البحرية  وهي تسمية سابقة على عصره  ، ولذا فان معظم سلاطين المماليك في العصر المملوكي الاول من بلاد القبجاق ، فالسلطان ايبك تركي الاصل والجنس فعرف بين البحرية بالتركماني  ، وقطز من المغول برغم دعواه بانه ابن اخت خوارزم شاه  اما بيبرس فمولده بارض القبجاق وجاء الى القاهرة من سوق الرقيق بسيواس ، وقلاون من جنس القبجاق كذلك  . 

ومن الطبيعي ان يعتمد كل من سلاطين المماليك على مثل ما نشأو فيه من جيوش مملوكية معظمها من جنسهم . فلم يكتف السلطان الظاهر بيبرس بما كان يجلب اليه من المماليك من بلاد القبجاق وما يقع اثناء الحروب مع التتار والسلاجقة بالروم  ، بل بعث التجار ليشتروا له المماليك من بلاد التتار  وسارقلاون على نهجه في استجلاب المماليك من الترك والتتار ، ومعظمهم من الآص والجركس الذين جعلهم في أبرج القلعة ، وسماهم البرجية  . 

وكان لاستمرار الحرب بين ملوك التتار في الشرق اثر كبير في كثرة السبي من النساء والصبيان الذين جيء بهم الى مختلف الاسواق في مصر والشام  ، ولا سيما زمن السلطان الناصر محمد بن قلاون  . ووجد الجنوية وغيرهم من التجار في السلطان مغنما ، فامعنوا في الاستيلاء على اولاد التتار وجلبهم الى ثغر كفا بالقرم ، وضاق طقطاخان ملك القبحاق بهذه التجارة فارسل جيشا الى مدينة كفا وضرب أوكار تجار الرقيق بها ،غير ان ذلك لم يمنع تجارة الرقيق او يقلل من نشاطها  .  

 على ان الحروب الناشبة بين ملوك التار لم ينجم عنها ازدياد تجارة الرقيق فحسب، بل ترتب عليها كذلك هجرة طوائف وأقوام من الأجناس التي غدت خاضعة للنتار ، ومنها طوائف تترية . وهؤلاء التحقوا كذلك بالجيش المملوكي في مراتب اعلى مما كان فيه طوائف العرب والكرد والتركمان ، وانما تقل عن مكانة المماليك السلطانية الذين اشتروا بالمال وقضوا مدة الرق في التعليم الحربي والديني ثم عتقوا واصبحوا جنودا مؤهلين  .

ويطلق على من قدم من هذه الطوائف التترية الى مصر في خــلال العصر المملوكي الاول اسم الوافدية والمستأمنين او المستأمنة. ودخل هؤلاء الوافدية دولة المماليك وهم احرار وظلوا كذلك ، وارتبط كثير منهم بالمماليك بالمصاهرة  . ولحق عدد قليل منهم بفرق المماليك السلطانية والخاصكية  ، ودخل عدد كبير منهم في خدمة الامراء المماليك  ، غير أن الترقية في سلك الجيش خضعت لقيود شديدة ، فلم يصل زعيم من زعماء اولئك الاحرار الى ما وصل اليه نظائرهم من المماليك السلطانية  . 

ويرجع السبب في بطء ترقية الوافدية في سلك الجيش المملوكي التركي الى تعصب المماليك السلطانية ضد جميع العناصر الدخيلة على تربيتهم و نظام تنشئتهم ، لان المماليك السلطانية في نظر أنفسهم وفي نظر المعاصرين كذلك ، هم أرباب الفروسية المملوكية دون غيرهم من فئات الجيش المملوكي ، وهم كذلك أشد ما يكونون حرصا على ان يجيء ا السلطان من صفوفهم . ومن الأدلة على امتياز المماليك السلطانية على غيرهم من الطوائف العسكرية ، أنهم استطاعوا منذ اواخر ايام السلطان الصالح ان ايوب يبعدوا الخوارزمية من الجيش النظامي في القاهرة ، فصاروا مكلفين بحماية الاعمال الساحلية بالشام ، وهي اقل مرتبة مما تقوم به فئات المماليك السلطانية  ، ثم ان كثرة اعداد الوافدية الى مصر وخشية هذه الكثرة على العصبية المملوكية السلطانية جعلت من السياسة الا يصل الوافدي الى وظيفة كبيرة الا قليلا . ومن الادلة على ذلك أيضا ان عددا كبيرا من الخاملين من المماليك السلطانية ارتقوا الى المناصب العالية على حين لم ينجح في الوصول الى هذه المناصب او شبهها الا أفراد قلائل من الوافدية امثال السلطان كتبغا وسلار ، ولعل اوضح الادلة على ذلك كله قول امير مملوكي للامير سلار من بـاب التعبير والاحتقار انت واحد منفي وافدي وليس باستطاعتك ان تجعل نفسك مثل مماليك السلطان  محاباة السلطان كتبغا لهم »، فضلا عن ومحاولته مساواتهم بهم مما اثار حنق المماليك السلطانية  . 

اما تفصيل قدوم الوافدية الى . مصر فبدايته أوائل عهد السلطان بيبرس ، وجاءت هذه البداية من الهاربين من وجه هولاكو ، وهم اكثر من مائتي فارس بنسائهم وأولادهم ، ومعظمهم . من التتار القبجاق الواردين اصلا من عند بركة خان ، للخدمة في جيش هولاكو . واستقبل السلطان بنفسه هؤلاء الوافدية ، وانزل كبراءهم في دور اقامها لهم في اللوق ، وأعطاهم امريات في فرقته البحرية السلطانية، ثم أفرد لكل منهم جهة اقطاعية يعيش منها ، وتظاهر، اولئك الوافدية بالدين الاسلامي  بيبرس بيبرس السنة قدمت واجتذبت اخبار هذا الاحسان جماعات اخرى الى مصر ، فقدم البريد سنة ٦٦١ من البيرة وحلب بأن جماعة مستأمنة وردت الى الباب العزيز ، عدتها الف وثلثمائة فارس من المغل والبهادرية، ووصلت جموعهم الى القاهرة اواخر تلك السنة . 

وقدمت طائفتان اخريان في السنة التالية ، ومن هنا بدأت مخاوف . وفي نفس جماعة من شيراز بزعامة سيف الدين بلق واكتيار الخوارزمي جمدار جلال الدین خوارزم شاه وكثير من زعماء عرب حفاجه فاستقبلهم السلطان نفسه ، وانعم على بلق بامرة طبلخاناه  . ومن الملحوظ ان بيبرس جمع التتار الذين جاءوا مصر واسكنهم بالقاهرة ، ولم يرسلهم الى ساحل الشام، وعلى الرغم من اهتمامه الشديد بانزال قبائل محاربة في هذا الساحل ، على غرار ما فعل بالتركمان حين انزلهم في يافا لحراستها بعد استيلائه عليها سنة ٦٦٦ هـ . 

غير ان هجرة الوافدية اخذت تضعف بعد أيام بيبرس ، فلم يقدم الى مصر منهم سوى تسعة عشر فارسا مع نسائهم واولادهم زمن السلطان قلاوون ، وحوالي ثلثمائة فارس زمن ابنه الناصر محمد بن قلاوون . ثم ازدادت هجرة الوافدية مرة اخرى على عهد كتبغا ، والناصر محمد منفي بالكرك سنة ٦٦٥ ، حين وصل الى الرحبة نحو عشرة الاف بيت من عسكر بيدو بن طرغاي بن هولاكو وهم المعروفون بالأويراتية صحبة طرغاي زوج ابنة هولاكو  ، فبالغ كتبغا في اكرامهم وانزلهم بالحسينية وأنعم على طرغاي مقدمهم بامرة طبلخاناة ،وعلى اللوص بامرة عشرة ، واعطى البقية تقادما في الحلقة واقطاعات اخرى  . وكان وقتذاك غلاء كبير ، ودخل شهر رمضان فلم يصم من اولئك الأويرانية أحد ، وصاروا يأكلون الخيل المقتولة بالضرب لا بالذبح ، فأنف الامراء من جلوسهم معهم بباب القلة في الخدمة السلطانية ، وعظم على الناس اكرامهم ، وانطلقت الالسنة بذم السلطان كتبغا . ومع هذا اخذ كثير من الامراء المماليك اولاد اولئك الأوبراتية للخدمة في البيوت وكثرت الرغبة فيهم لجمالهم ، وتزوج الناس بناتهم ، واندمج بعضهم في الجيش المملوكي ودخلوا الاسلام واختلطوا باهل البلاد  .

غير ان مبالغة كتبغا في محاباة الاويراتية أدت الى عزله على يد لاجين سنة ٦٩٦ ، الذى امر بالقبض على كبراء الاويراتية وسجنهم بالاسكندرية ومنهم طرغاي، كما امر بتفريق صغارهم على الامراء فاستخدموهم في مختلف الاغراض  . ولم يفلت من ايدي لاجين سوى جماعة منهم خرجت من مصر زمن كتبغا واقامت ببعض الاطراف الشامية  ، ثم دخلت في خدمة الناصر محمد بن قلاون اثناء مقامه بالكرك  . فلما عاد الناصر الى السلطنة أمر بطرد أولئك الأويرانية من البلاد بتحريض المماليك السلطانية لانهم اخذوا يقفون فوقهم في الخدمة السلطانية ، فأغروا السلطان واكثروا من ذمهم والعيب عليهم بكونهم خامروا سابقا على استاذيهم من الامراء زمن كتبغا  . بهم وعلى الرغم من قلة قدوم الوافدية الى مصر بعد سنة ٦٩٥ هـ ، جاءت هجرات اخرى من جماعات مختلفة في اوقات متباعدة ، ففي سنة ٧٠٤ جاء نحو مائتي فارس ، وفي سنة ٧١٧ عبر جماعة من التتار الفرات وقدم دمشق منهم مائة فارس باولادهم ونسائهم عليهم امير كبير اسمه طاطاي  ، وفي سنة ۷۲۲ قدم البريد من دمشق بحضور اخت الامير بدر الدین جنكلى البابا من الشرق وصحبتها جماعة تنارية ، غير انها ماتت بعد قدومها بثلاثة ايام ، فاستدعى الناصر محمد بن قلاون جماعتها هذه الى القاهرة واقطع افرادها اقطاعات من اجل خاطر الامير جنگلی  ، وفي سنة ٧٤١ وهى السنة التي توفي فيها الناصر محمد ، جاءت هجرة اخرى من الوافدية الى مصر بسبب ما انتشر في الشرق من الطاعون ، فاذن الناصر لنائب حلب ان ينزلهم بنيابته ، وجاء منهم نحو مائتي فارس الى مصر  ، وتعتبر هذه أخر هجرة كبيرة جاءت الى مصر . والجراكسة عنصر قوقازي الجنس ، وهم قلة في الجيش المملوكي زمن الدولة الاولى ، ويطلق عليهم في المصادر العربية اسم الجركس والشركس والشراكسة وفي القليل الجهاركس  . ومع انهم عنصر من الجنس التركي العام ، فان المصادر العربية تشير الى انهم أعداء الاتراك  . أما موطنهم فهو المرتفعات الجنوبية من بلاد قبجاق بين البحر الاسود وبحر قزوين ، والى الجانب الشرقي منهم انتشر الروس واللان  ، وعاش الجراكسة في فقر ، ومعظمهم مسيحيون  . واعتبرهم المقريزي مع اللاص والروس في المملكة التتارية المعروفة باسم القبيلة الذهبية وقاعدتها صراي على نهر الفلجا . واغارت الدولة

الخوارزمية ابان حركتها التوسعية على بلاد قبجاق الجنوبية حيث مساكن في الجراكسة ، فاخذت كثيرا من رجالهم اسرى وسبت نساءهم وأولادهم وجلبتهم التجارة الخوارزمية رقيقا الى الاقطار . واشترى المنصور قلاون عددا كبيرا منهم وأنزلهم في القلعة  امعانا في ابعاد العناصر الشمالية من القبجاق التتاريين، الذين تألفت منهم الظاهرية ، مماليك بيبرس واولاده من الجيش المملوكي . على ان ذلك لم يمنع قدوم الترك الى مصر وأن يظل العنصر التركي اغلبية في الجيش المملوكي . ثم لم يلبث الجراكسة ان اصبحوا قوة يخشى المماليك الأتراك بأسها ، ولا سيما بعد ان جعل السلطان خلیل قلاون من الجراكسة سلاحدارية وجمقدارية وجاشنكيرية وأوشاقية  . 

ووضح خطر الجراكسة او البرجية في الاضطرابات التي اعقبت مقتل السلطان خليل سنة ٦٩٣ وتولية اخيه الناصر السلطنة وهو في التاسعة . من عمره ، اذ اختلف الوزير المملوكي سنجر الشجاعي الجركسي الأصل مع الأمير كتبغا التتارى نائب السلطنة ، بسبب انفراد كتبنا بالقبض على الأمراء المتهمين باغتيال خليل . . وشجع سنجر الامراء البحرية على الخروج على كتبغا ، وأغرهم بالمال . فبعث كتبغا نقباء الحلقة في طلب المقدمين واجناد الحلقة والتتر والاكراد الشهرزورية فلم يحضر اليه الا من لا فائدة فيه  ، ثم سكنت الفتنة بعد مقتل سنجر الشجاعي . ، فنزل المماليك البرجية من الطباق بالقلعة فاقامت طائفة منهم في مناظر الكبش بجوار الجامع الطولوني ، وطائفة في دار الوزارة برحبة العيد بالقاهرة ، وطائفة في مناظر الميدان الصالحي بارض اللوق ، وكل ذلك بامر كتبغا  . 

على أن الفتنة اشتعلت من جديد بين الجراكسة والترك، وذلك حين اجتمعت طوائف المماليك البرجية ، وخرجت الى تحت القلعة، فركب الأمراء الذين بالقلعة في عصبة كتبغا لاخماد هذه الحركة، وفرقوا طوائف المماليك البرجية ، وشتتوا شملهم بالقتل وقطع الأيدي والأرجل والألسن وسمل العيون ، ووزعوا على الأمراء من بقي منهم على قيد الحياة ، وهم زيادة على ثلثمائة مملوك  غير أن عزل السلطان كتبغا ومقتل السلطان لاجين وعودة الناصر محمد بن قلاون الى السلطنة للمرة الثانية سنة ٦٩٨، أفسح المجال مرة أخرى للمماليك البرجية بفضل الأمير بيبرس الجاشنكير الجركسى نائب السلطنة ، اذ أمد . منهم عدة حتى صاروا قوة هائلة قبالة الامير سلار والمماليك التركية المنصورية القلاونية. ووقع الحسد بين الطائفتين ، وصار بيبرس اذ أمر احدا من البرجية وقف اصحاب سلار وطلبوا منه ان يؤمر منهم احدا ، ثم انفجرت الكوامن بين البرجية والاتراك بسنة ٧٠٦ بسبب اهانة الجاشنكير للأمير سنجر الجاولي التركي . وضاق السلطان الناصر بتلك الحال، وتحير بين بيبرس وسلار فاعلن سنة ٧٠٨ أنه ينوي الحج بعياله ، فوافقه الاميران المتنافسان، ولا سيما بيبرس والبرجية، الذين أعجبهم سفر الناصر لينالوا أغراضهم . 

وصار بيبرس ولما وصل الناصر الى الكرك ، خلع نفسه، وظن كل من سلار وبيبرس از طريق السلطنة أضحى خاليا له دون الآخر ، فاختار المماليك الأتراك سلار ليكون سلطانا ، واختار البرجية بيبرس . لكن سلار رأى أن السياسة تتطلب منه ان يتنحى عن ذلك ولو الى حين بسبب كثرة البرجية  ، هذا اول السلاطين من الجراكسة في مصر . 

ولما توجه الأمراء لتحليف نواب الشام على سلطنة بيبرس، كاد خجداشه آقوش الافرم نائب دمشق يطير فرحا لانه جركس الاصل مثله ، وعاشا بالقاهرة بين المماليك الاتراك كالغرباء  • غير أن السلطان بيبرس الجاشنكير لم يطمئن الى ما حدث ، لوجود كثير من الأمراء والمماليك الاتراك عند الناصر محمد بالكرك ، فأرسل يطلب منه سنة ٧٠٩ ان يبعث اليه ما عنده من المماليك ، ليكونوا في خدمة السلطنة بالقاهرة، بحيث لا يبقى عند الناصر سوى عشرة برسم الخدمة الخاصة . غير أن الناصر راوغ وامتنع عن الاستجابة الى أوامر بيبرس ، وهدد بأنه يعتزم الالتجاء الى التتار ، وكتب الى نواب الشام من الأتراك بذلك  . واشتد ضيق بيبرس من سلوك الناصر ، وأخذ يتشكك في الأمراء الأتراك بالقاهرة فأخرج بعضهم من القلعة ، وقبض على البعض الآخر ، وتسحب الباقون الى الكرك في مائة وستة وستين نفرا من المماليك السلطانية، بخيلهم وهجنهم وغلمانهم . واستطاع الناصر كذلك أن يكسب عطف أمراء النيابات الشامية فأظهروا الأهبة للمساعدة ، وبفضل هذه المساعدة عاد الناصر الى السلطنة للمرة الثالثة سنة ۷۰۹  . 

وظل المماليك البرجية طوائف مغمورة عدة سنين ، بدليل انه حين اتفق السلطان حسن والامراء سنة ٧٤٨ على تخفيف المصاريف السلطانية وتقليل النفقات بسائر الجهات ، تقرر الاستغناء عن البرجية من المماليك السلطانية . وقابل البرجية هذا الاجراء بمحاولة عزل السلطان حسن وتولية اخيه حسين في نفس السنة ، غير ان مؤامراتهم انكشفت ، وقبض على اربعين منهم ونفوا الى البلاد الشامية ، وضربت طائفة اخرى بالمقارع ثم حبست بخزائن الشمائل ، ومنذ ذلك الحين لم يسمح بالدخول الى قصر السلطان الا لأمراء المشورة  .





اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي