الثلاثاء، 5 سبتمبر 2023

تربية الفارس المملوكي في مصر والشام (648-923هـ /1250-1517م) - دكتور السيد الباز العريني

تربية الفارس المملوكي في مصر والشام (648-923هـ /1250-1517م) 

تأليف الدكتور / السيد الباز العريني 

دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط1 ، 1967م 


الطباق - تحديد زمن انشائها - عددها - اسماؤها - المماليك الكتابية - أعمارهم - أطباق الكتابية - كتابية الأمراء والمتعممين - التعليم الديني بالطباق - معلمو الطباق . الفروسية وفنونها - معلمو الفروسية - تعليم الطعن بالرمح ، والرماية ، والضرب بالسيف ، وركوب الخيل – الطواشية وتأديب المماليك - عنق المماليك الكتابية وتخريجهم مماليك تربوا مع أبناء السلاطين. 

يرسل السلطان مشترياته من المماليك الى الطباق حيث ينزل كل منهم في طبقة جنسه » برسم الكتابة » على قول المقريزي (۱) . وقامت هذه الطباق بساحة الايوان بالقلعة ، لسكنى المشتريات من المماليك وتعليمهم ، وربما ظل المملوك مقيما بها بعد عتقه . واشتملت كل طبقة على عدة مساكن تتسع الألف مملوك (٢) .  !

ويقول المقريزي ان السلطان الناصر محمد بن قلاون هو الذي بنى الطباق بساحة الايوان بالقلعة وأسكنها المماليك السلطانية سنة ٧٢٩، وذلك بعد أن أمر بهدم السجن الذى أنشأه أبوه قلاون ليسجن فيه الأمراء وهو سجن الجب (۱) . غير أنه من المعروف أن الظاهر بيبرس بني بالقلعة طبقتين مطلتين على رحبة الجامع ، وأنشأ برج الزاوية المجاور لباب القلعة، وأنشأ جواره طبقة للماليك (۲) . 

ومن المعروف كذلك أن السلطان قلاون كثيرا ما كان يخرج الى هذه الطباق في موعد حضور الطعام للمماليك، ليختبر طعامهم بنفسه، وأن السلطان خليلا أجاز للمماليك القلعة في النهار ، على الأيبيتوا الا بها (٣) . ثم انه تقدم في شرح فتنة سنة ٦٩٣ ، أن المماليك السلطانية الذين اتهموا في اثارة تلك الفتنة أنزلوا من الطباق ، وسكنت طوائفهم في أماكن متفرقة بالقاهرة. (ه) على أن الناصر محمد بن قلاون أمر سنة ۷۱۲ بهدم قصر الرفرف بالقلعة الذي شيده أخوه خليل وصور فيه امراء الدولة وخواصها واتخذ مجلسا له . وأقام الناصر مكان هذا القصر برجا بجوار الاصطبل (٥) . وفي سنة ۷۱٥ نشب حريق في اطباق المماليك الواقعة بالقرب من البرج المنصوري (٦) ، فعزم الناصر على بناء الطباق الجديدة،

بحيث تكون كلها في مكان واحد ، وجمع فيها فئات المماليك السلطانية جميعها ، فبلغ عدد الطباق بذلك اثنتي عشرة طبقة (۱) ، وانفرد خليل بن شاهين الظاهري دون غيره من المؤرخين بتحديد عدد الطباق في القرن الخامس عشر الميلادي ، غير ان المصادر المملوكية المعاصرة أوردت أسماء ثاني عشرة طبقة ، مما أن هذه الأطباق يرجع لم توجد كلها في وقت واحد، بل طرأ عليها كثير من التغيير والتعديل، وربما تغير اسم بعضها الى اسم آخر . وهذه الطباق هي : طبقة الرفرف (۲) طبقة الطازية (۳) طبقة الزمام (٤) طبقة الاشرفية (٥) طبقة الحوش (1) طبقة الغور (۲) طبقة المقدم (۳) طبقة الصندلية (٤) طبقة الخازندار (٥) طبقة الميدان (1) طبقة المستجدة (٧) طبقة القاعة (۸) طبقة قراجا (۹) طبقة الأربعين (١٠)

طبقة الطواشي مرجان الخازندار (۱) طبقة فيروز الخازندار (+) طبقہ ــة الخروب (۳) طبقة البرانية (٤) ومن هذه القائمة ، يتبين أن عددا كبيرا من الأطباق حمل أسماء طواشية أو أسماء وظائف تولاها أشخاص معينون على شئون هذه الأطباق والأمثلة على ذلك ، طبقة الزمام ، وطبقة الخازندار ، وطبقة الطواشي مرجان الخازندار ، وطبقة، فيروز الخازندار .اما طبقة الصندلية فتنسب الى الأمير الطواشي صندل المنجكي المتوفى سنة ٨.١ ، وهو خازندار السلطان برقوق (٥) ، كما تنسب الطبقة الأشرفية الى مماليك السلطان الأشرف شعبان بن حسين (٦) . وانتسبت طبقة قراجا الى الأمير قراجا الخازندار ، وكان امير لا طواشيا (٧) . وانتسبت طبقة صواب الى الطواشي صواب بن عبد الله السهيلي الخازندار المتوفي سنة ٧٠٦ ، وهو من اخصاء الظاهر بيبرس (۱)  

اما طبقة المقدم فلعلها تنسب الى مقدم المماليك او مقدم الطبقة وكل منهما طواش على اية حال من . المماليك ، ويكاد المقريزى ينفرد بشرح تربية المماليك في الطباق بالقلعة ، وخلاصته أن الرسم كان في أول عهد السلاطين المماليك الا تجلب التجار سوى المماليك الصغار . فأول ما يبدأ به فيما اصطلح العرف على تسميته برسم الكتابة ، هو أن يحفظ أجزاء من القرآن الكريم ، ولكل طائفة فقيه يحضر اليها كل يوم ، ويأخذ في تعليمها القرآن والخط و آداب الشريعة والصلوات والأذكار . فاذا شب الواحد من علمه الفقيه شيئا في الفقه وأقرأه فيه مقدمة . فاذا صار الى سن البلوغ ، أخذ معلم في تعليمه أنواع الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك واذا ركبوا الى لعب الرمح لا يجسر جندى ولا أمير أن يحدثهم أو يدنو منهم . وينقل المملوك بعد تمرينه وعتقه الى الخدمة ، وينتقل في أطوارها رتبة بعد رتبة حتى يصبح من الأمراء . فيبلغ بعد أن تهذبت أخلاقه وكثرت آدا به و امتزج تعظيم الاسلام وأهله بقلبه واشتد ساعده في رماية النشاب . وجنح بعض المماليك الى الدراسة الفقهية أو غيرها من الدراسات المدنية، وصار منهم الفقيه والأديب ذلك والشاعر والحاسب . (۲) وكيفما كان الامر اعتنى السلاطين بتربية المماليك في هذه الأدوار الاولى من حياتهم، فجعلوا عليهم أزمة من الخدم واكابر من رؤساء النوب

يفصحون عن حال الواحد منهم ، ويؤاخذونه أشد المؤاخذة ، ويناقشونه على حركاته وسكناته . فاذا علم أحد منهم أن مملوكا من المماليك اقترف ذنبا أو أخل برسم أو ترك أدبا من آداب الدين والدنيا، قابله على ذلك بعقوبة على قدر جرمه . وبلغ من ذلك أنه اذا رأى مقدم الطبقة أن مملوكا يغتسل في السحر ، سأله عن سبب ) ذلك ، وينظر في سراويله فان لم يجد فيها جنابة من احتلام عاقبه أشد العقوبة. وأجرى السلاطين الطباق المماليك الرواتب الكثيرة ، من اللحوم والاطعمة والحلاوات والفواكه والكسوات . وتكون كسوة المملوك عند نزوله بالطباق من الثياب القطني البعلبكي ، ومن الثياب الكتان الخام المتوسط، فضلا عن المعاليم من النقود . 

ثم رخص السلطان برقوق للمماليك في سكنى القاهرة وفي التزوج ، فنزلوا من الطباق الى المدينة وتزوجوا من نسائها . غير أنهم لم يلبثوا أن أخلدوا الى البطالة والعافية ، ونسوا حياة الطباق وصرامتها ، شأنهم في ذلك شأن اليني شرية أواخر الدولة العثمانية . ثم تلاشت الأحوال ، وانقطعت الرواتب من اللحوم وغيرها لتفضيل المماليك للراتب النقدى أيام السلطان فرج بن برقوق، اذ جعل لكل واحد منهم في اليوم عشرة دراهم من الفلوس ، فصار غذاؤهم في الغالب القول المصلوق عجزا عن شراء اللحم وغيره (۱) . ثم تطور الجلب في المماليك ، فاصبح من الرجال ما بين ملاح و وقاد وفلاح ، من ضاق به العيش في بلاده. وهبط مستوى تعليم المماليك

سواء في الدين أو الفنون الحربية . ورأى السلطان فرج أن يترك أولئك المماليك الكبار وشأنهم ، فتغيرت الأحوال وصار المماليك السلطانية أرذل الناس وأدناهم ، فكان ذلك من عوامل خراب مصر والشام كما تقدم (۱) . مصر اما ( رسم الكتابة ( الذي ذكره المقريزي في وصفه لطبـاق المماليك ، فالمقصود به تعليم المماليك، والسر في ذلك أن أكثر المشتروات في هذا العصر الأول من المماليك الصغار ، ولذلك سموا المماليك الكتابية (۲) . غير أن المصادر لم تهتم بإيراد أعمار هؤلاء المماليك عند قدومهم الى . ما عدا الاشارة الى الواحد منهم على انه « صغير ) او في جملة مماليك صغار (۳) » . . 

أما الحالات التي وردت فيها الأعمار فهي قليلة الأشخاص صاروا من المماليك الكتابية ، ثم صاروا ذوى مكانة فيما بعد في الدولة . فالسلطان خشقدم جاء الى مصر وهو ابن عشرة تخمينا (٤) ، والسلطان شيخ المحمودي وهو ابن اثنى عشر سنة (ه) ، أما الأمير تغرى برمش بن عبد الله الجلالى المؤيدى ، نائب قلعة الجبل فكان في السابعة من عمره حين وصل إلى القاهرة (٦) ، ولم يكن قايتباى يتجاوز السادسة عشرة حين جاء الى مصر سنة ٨٣٩(١). 

والملحوظ ان المماليك الكتابية لم يكونوا جميع مشتروات السلطان ، بل عاشت بعض هذه المشتروات ، دون أن تدخل مرحلة الكتابية بسبب تجاوزهم من التعليم . الاعتقاد بوجود لكن هل كان للكتابية طباق خاصة يقيمون بها ويتلقون تعليمهم فيها . الجواب على ذلك أن المصادر المملوكية المعاصرة تؤدى الى هذه الطباق الخاصة ملحقة ببعض الطباق الكبرى ولاسيما طبقة الزمام وطبقة الطازية . فالمملوك برسباي الذي تسلطن فيما بعد ، نزل في طبقة الزمام مع جملة مماليك الأطباق الكتابية (٢) . وأقام قايتباى كذلك بين الكتابية بطبقة الطازية ، واستقر غيرهما من المماليك الذين أصبحوا امراء بين المماليك الطباقية (٣) . منهم ، فكان ثم لم يقتصر اقتناء المماليك الكتابية على السلاطين فحسب، بل اقتنى بعض الأمراء وغيرهم من | المتعممين أعددادا برقوق من جملة المماليك الكتابية التابعين للامير يلبغا العمرى زمن السلطان الناصر حسن (٤) .

 واقتنى كل من الأميرين خجا سودون أحد أمراء الألوف على عهد السلطان برسباى (۱) ، والزینی استادار السلطان جقيق عددا من الكتابية فضلا عما كان عندهم من المماليك غير الكتابية. ولم يكن من المألوف ان يقتنى أحد المتعممين من أمثال الزيني شيئا من المماليك الكتابية أو غير الكتابية ، ولذا تعجب ابن تغري بردى وقال «فان ذلك شيء لم نعهده المتعمم (۲) ) 

اما تفصيل الدراسات التي يتلقاها المملوك في الطباق ، فالمعروف ان بعض المماليك الكتابية حفظ القرآن الكريم كله عن : ظهر قلب وحرص على تجويده ، فاشتهر الأمير از دمر الابراهيمي الظاهرى جقمق بتلاوة القرآن والقراءة مع قراء الجوق ) رئاسة مع فهم في الجملة وطول نفس (۳) » ، وعرف عن يشبك من سليمان شاه المؤيدى الفقيه أحد أمراء السلطان المؤيد شيخ وصهره بانه اشتغل بالقراءات . ومن الذين اشتهروا بحسن الخط والتأنق فيه الأمير قجماس الإسحاقي الظاهري حقيق ، الذي يقال أنه كتب بخطه قصيدة البردة للبوصيرى، وقدمها لأستاذه جقمق فاستحسنها (٤) واعتبرت الأجادة في الخط مبررا لزيادة ثمن المملوك اذ طلب أحد التجار من الظاهر بيبرس ثمنا مرتفعا في مملوك لأنه يكتب خطا مليحا ، فاستكتبه ، فكان كذلك، فزاد في ثمنه (1) . 

وأما العلوم الدينية فالمعروف أن الأمير تنكز المتوفى سنة ٧٤، سمع صحيح البخارى غير مرة من ابن الشحنة ، وسمع، كتاب الآثار للطحاوى، وصحيح مسلم (٢) . وسمع الامير أرغون شاه الداوادار صحيح البخاري كذلك، وبرع في الفقه ، وأذن له بالافتاء والتدريس (۳) ، واشتهر الأمير تغرى برمش بمعرفة الفقه والحديث والتاريخ والادب ونظم الشعر باللغتين العربية والتركية (٤) ، وصنف العيني شرحا لطيفا على المختصر المعروف بتحفة الملوك في الفقه اجابة لرغبة شيخ الخاصكي المتوفى سنة ٨٠٧ . ويبدو ان هذا المختصر كان شائع الاستعمال في الطباق ، اذ أفاد منه كثير من المماليك (٥) . واشتهر الامير محمد بن جنكلي بن البابا المتوفي سنة ٧٤١ ، بأنه درس الحديث والطبقات وقارف النظم (٦) . أما يعقوب شاه الارزنجانی مهمندار بارسباى، فاشتهر بقراءة المطالعات من الروم والتتر ، والعجم والهند ، كما عرف باجادة اللغتين التركية والعربية (٧). وشغف الأمير احمد بن بركوت المكينى بالنظر في دواوين الشعر، فضلا عن 

اتقانه فن الموسيقى (۱) ، واشتغل الامير بلباي الدمرداش بعلم الهيئة (٢)، واهتم على من امير صاحب بجمع المدائح النبوية ، اذ وجد في تركته عند موته خمسة وتسعون مجلدا كلها مدائح (۳) غير انه يبدو من التوسع في الدراسة والتبحر في الاطلاع ان اولئك المماليك واصلوا دراستهم بعد مرحلة التعليم في الطباق الكتابية . هذا ولم يختلف تعليم أبناء السلاطين ، أو تعليم أبناء الأمراء عن مناهج الطباق الكتابية ، بل تعلم بعض المماليك الكتابية فعلا مع أبناء السلاطين والأمراء في مكتب خاص في بيوتهم . ومن الأدلة على ذلك ما كان للامير سيف الدين كوندك الساقي من المكانة عند السلطان السعيد بن بيبرس لأنه ربي معه في المكتب (٤) . وكان بزلار بن عبد الله العمرى من مماليك السلطان الناصر حسن، فرباه مع أولاده، وتأدب وكتب الخط المنسوب . 

ومن أبناء السلاطين الذين اشتهروا بالتبحر في العلوم الدينية محمد بن جقيق ، الذي حفظ القرآن ، واشتغل بالفقه والفرائض والحديث والمنطق والعربية . فلما تسلطن أبوه زاد طلبه للعلم ، فقرأ على ابن حجر العسقلاني ، وحضر على سعد الدين في الفقه والتفسير ، وأثنى عليه ابن حجر بالفهم والحفظ (٦) . وحين قدم بيبرس المنصوري صاحب التاريخ الى الديار المصرية سنة ٦٥٩ ، اشتراه الأمير سيف الدين قلاون ، وأنزله في بيته ، حيث رتبه في المكتب الخاص بتعليم أولاده (۱) ، وكذلك شأن بيبرس الركن العلائي الذي مات والده وهو طفل ابن سنتين ، فنشأ في كفالة أمه تحت وصاية ألأتابك أزبك من ططخ ، فاستدعى له مربيا خاصا (٢) . أما أحمد بن برسباي الشهابي فتولی تربیته زوج امه قرقماس الأشرفى أمير سلاح ، وأحضر له من علمه القرآن والخط المنسوب وأقرأه العلم (٣) أما معلمو الطباق الكتابية فلم تذكر المصادر التاريخية وكتب التراجم والطبقات منهم الا القليلين ، الذين اقترنت أسماؤهم بأسماء بعض الأمراء الذين تعلموا على أيديهم ، ومن أولئك تقى الدين القلقشندي الذي وصف الامير تغرى برمش نائب القلعة بانه لم يكن اهمال المصادر وكتب الطبقات يفهم من العربي كلمة (٤) . 

ويرجع سبب ) لأولئك المعلمين ، أنهم لم يكونوا من المنصرفين الى العلم ، وأن ثقافة بعضهم لم تتعد اقراء القرآن ، بل ان بعضهم الليمون الشيخ عبد الجبار بن علي الأخطابي ، أو نسخ الكتب ، مثل محمد . احمد العسقلاني ، ومحمد بن عمر التاج الكردى ، أو ببيع مثل محمد بن حسن الحنفي (1) . اشتغل ببيع ، مثل بن الكتب ، ومن الواضح ان المماليك الكتابية كانوا احسن ثقافة ومكانة من غيرهم من المماليك ، الذين جلبوا كبارا ، فلم تتغير طباعهم ولم يهتموا بشيء من التعليم المضارع لما نشأ عليه الكتابية من الأدب والتفقه بالدين في من الصغر (۱) . ومع هذا ترقى معظم هؤلاء المماليك حتى بلغوا الوظائف الكبرى ، وحصلوا على الاقطاعات الثقيلة ، دون ان يحسنوا الكلام في العربية فضلا عن لغتهم التركية الأصلية ، ودون دراية بأعمال وظائفهم ومثال ذلك اركماس الظاهري صاحب الداوادارية الكبرى ، في عهد برسباى (٢) . وشارك في ذلك الأمير أنـص بن عبدالله الجركسي والد السلطان برقوق الذي وجد الفقيه صعوبة شديدة في القرآن، ولم يعرف من التركية سوى اللهجة الجاركسية. (۳) ثم ان اولئك المماليك ضربوا مثلا في الفساد والمعاصي ، ولعل الامير طوخ بن عبدالله الجكمى أسوأ مثال لهذه الطائفة المماليك في هذا تحفظه الفاتحة من من العصر ، اذ عرف بالتجاهر بالمعاصى وادمان الخمر ، فضلا عما اشتهر به من الكبر والجبن والبخل وعدم معرفته أنواع الفروسية (٤) 

أما التعليم الحربي للمملوك في الطباق ، فليس في المراجع التاريخية وصف تفصیلی قائم بذاته سوى ما أورده المقريزى في الخطط من حيث انتقال المملوك من التعليم الديني الى هذا النوع الثاني من التعليم عند سن البلوغ ، حين يأخذ في المران على أنــواع القتال من رمى المهام ولعب الرمح (۱) . غير ان المؤلفين في الفروسية ، ومعظمهم أساتذة في فنونها المختلفة، وكذلك مؤلفي كتب التراجم والتاريخ، وعلى الأخص في العصر المملوكي الأول، ألقوا ضوء جديدا على هذا النوع من التعليم عند المماليك . وأول ذلك أن الفروسية شملت المهارة في ركوب الخيل واللعب بالرمح والحذق في الرمى والضرب بالسيف، وسوق البرجاس والمحمل، ولعب الصولجان واستعمال الدبوس، والمران على المصارعة وسباق الخيل (۲) . على أن المملوك من المماليك لم يتعلم جميع فنونها وفروعها في الطباق ، بل اقتصر تعليمه على استعمال الرمح والقوس والسيف وركوب الخيل فقط على معلمين أخصائيين. ثم يتعلم المملوك من فنون الفروسية ، بعد عتقه وتخرجه من الطباق جنديا حين يخرج السلطان الملوكه خيلا وقماشا على قول المصطلح وفي كند كتب التراجم اشارات مبعثرة عن المعلمين الذين تولوا القيام بمهمة تعليم المماليك سواء في الطباق أو غيرها ، اذ اقترن لفظ الفروسية بألفاظ معلم وأستاذ ورأس ، ومثال ذلك الطنبغا بن عبد الله الظاهري الذي عرف بالمعلم لأنه تولى تعليم اللعب بالرمح في عهد برسباى (۳) 

وكذلك تمراز بن عبدالله الناصري الظاهرى، الذى تولى وظيفة معلم الرمح زمن السلطان برقوق واشتهر تمراز كذلك بانه رأس في فنون الفروسية فضلا عن ، وهو بن وظيفة التعليم استاذ آفبغا التمرازى وغيره من التمرازية (1) . أما كزل عبد الله السودوني أحد أمراء العشرات ومعلم الرمح في عهد المؤيد شيخ ، فهو أستاذ المتأخرين في تعليم الرمح زمن برسباي ، وتخرج عليه معظم المماليك والأمراء وقتذاك (۲) 

واشتهر الأمير أفيغا بن عبدالله التمرازى الاتابکی بدوره بأنه استاذ زمانه في مختلف فنون الفروسية ، وانتهت اليه الرئاسة في ركوب الخيل ، وتخرج به جماعة من أمراء الدولة وأعيانها في عهد برسباى وجقمق (۳) نه عن والخلاصة أن الأستاذ في الفروسية هو الذي بلغ الغاية في فنونها ، حتى ليصبح مرجعا فيها جميعا ، فضلا اشتغاله بالتعليم . أما المعلم فهو الذي يختص بتعليم الرمح 

ومثال ذلك الامير اينال ضضع الذي تولى تعليم الرمح للمماليك عدة سنين زمن السلطان (۳) . واصطلح أهل الفروسية على هذه الألقاب فاذا اصبح المعلم ملما بأصول تعليمه ، وغدا مرجعافيه ، اعترف له المعلمون الآخرون بالرياسة . ومثال ذلك الأمير جوبان الظاهرى الذى اشتغل بتعليم الرمح زمن السلطان برقوق ، وعرف أولا بالمعلم ، ثم انتهت إليه الرئاسة في أضحى حكما في هذا الفن زمن السلطان شیخ والسلطان برسبای (۱). عصره ، ه ، حتى واشتهر الأمير سودون طاز ، الذى جعله السلطان برقوق معلما للرمح بانه رأس في هذا الفن لما اكتمل فيه من قوة الطعن ، وشدة مقابلة الخصم ، وسرعة الحركة ، وحسن، تسريح الفرس اثناء اللعب (٢) . 

وتمتع يلخجا من ماش ، بلقب الرئاسة المهارته في لعب الرمح فيما هو معروف بسوق المحمل سنة بعد سنة ، قبيل خروج المحمل من القاهرة نحو ثلاثين سنة (۳) . ومن الذين انتهت اليهم الرياسة في الضرب بالسيف الأمير اينال الناصري زمن السلطان جقمق (٤) ، كما انتهت رئاسة الرمي بالنشاب إلى السلطان الظاهر تمرينا قبل توليته السلطنة. 

وبلغ من مهارة تمريغا في ذلك أنه صنع لنفسه القوس والنشاب ورمى بهما رميا لم يشاركه فيه احد شرقا ولا غربا في عصره ، فضلا عن اجادته لسائر فنون الفروسية من اللعب بالرمح وتعليمه ، والبرجاس وسوق المحمل وتعبئة العساكر والضرب بالسيف والدبوس وركوب الخيل . ومع هذا. ظل أغلب هؤلاء المعلمين من أمراء العشرات والطبلخاناه ، ورؤساء نوب.

واقتصرت حياتهم على تعليم المماليك السلطانية في الطباق ، ولم يصل منهم الى امرة مائة سوى واحد ، وهو الامير اينال الساقي رأس نوبة النوب زمن السلطان فرج (۱) . ولم يؤثر عن هؤلاء الاساتذة والمعلمين والرؤساء في فنون الفروسية أنهم الفوا فيها مؤلفات معروفة حتى الان ، وانما تكثر الاشارات اليهم فيما هو مقطوع بوجوده من مؤلفات غيرهم ، حيث يشار اليهم بأنهم أصحاب مذاهب مختلفة في هذه الفنون ، واعتبارهم قدوة فيما اختصوا به من انواع الفروسية . وانفرد ابن تغري بردى من المؤرخين المشهورين ، بالاشارة الى أهمية تعليم الرمح ، وسوق المحمل منذ بداية عصر المماليك ،والسر في ذلك ما عرف به هذا المؤرخ من الحذق في لعب الرمح وتدوين أخبار معلميه السابقين ، والدأب على مشاهدة رؤساء هذا الفن في عصره، وملاحظة ما طرأ عليه من تطور (٢) . 

اذ يذكر في حوادث شعبان سنة ٦٨١ لعب مماليك السلطان قلاون في سوق المحمل بالرماح ، لأنهم ، وفضل عليهم مماليك السلطان برقوق في هذا الفن ، احدثوا فيه أشياء جديدة (۳). وأورد ابن تغري بردی و صف احتفال السلطان شيخ بسوق المحمل سنة ٨٢٣ بساحة بولاق ، حيث لعب المماليك الرماحة، وكذلك لعب المعلمون أمام السلطان . 

وبلغ من ارتياحه أنه أمر باقامة حفل للعب الرمح في كل اسبوع ، فيلعب معلمان هما وصبيانهما لمخاصمة رياضية . فيقف المعلم يمينا والى جانبه يقف صبيانه صفا واحدا ، ويقف تجاهه معلم آخر وصبيانه معه ، ويبلغ عدد كل فريق خمسة أفراد فيخرج المعلم للمعلم للمباراة ، ثم يخرج نائب المعلم لنائب المعلم الذي يقابله ، ثم يخرج سائر أفراد كل من الفريقين للمباراة الفردية . ويستمر الظهر الى العصر عادة ، والناس يشهدون ويرفعون أصواتهم تشجيعا لهذا أو ذاك من المتبارين هذا اللعب من ساحة وأهم ميادين اللعب بالرمح وسوق المحمل في ذلك الحين هي بولاق والرميلة تحت القلعة ، أما ميدان بركة الحبش فيسوق فيه المماليك الرماحة بحضرة أساتذتهم أيام تعليمهم (۱) . 

وعالجت كتب الفروسية طرق تعليم الرمح ، فأشارت الى شروط الرمح الجيد ، وهى أن يكون بين الدقيق والغليظ حتى لا ينبو عن الكف ، خفيفا حتى يمكن حمله ، طوله عشرة اذرع او اقل قليلا . ومن هذه الشروط انه ينبغي على المتعلم ان يتخذ في تعليمه فرسا شديد القوائم مطواعا ساكنا لين المعاطف ، وعلى المتعلم أن يتولى بنفسه احكام سرج فرسه والاطمئنان على شد حزامه (۲) ، وأن يعلق الرمح في منتصفه في مؤخر السرج خلف الفخذ اليمين ، بحيث يكون رأس الرمح مرتفعـــا الى الأمام بالقرب من أذن الفرس اليمني ، على أن يكون بين اسفله وبين الارض أقل من ذراع (۱) . 

وعند الخروج للتعليم يسير المملوك فرسه راكبا في الناورد اى الدوائر المرسومة بالميدان ، فيسير أولا في الدائرة الواسعة الخارجة قرب المتفرجين ، ثم يتدرج الى السير في الدوائر الداخلية التي تحتاج الى مران طويل . ويعالج المملوك رمحه اثناء السير فيغير من وضعه بأن يجعل رأسه بحذاء الركاب الأيمن ، ويسوى بين رأسه واسفله في الارتفاع ، ويواصل التدرب على ذلك في حركات متناسبة مع سير الفرس وتدرجه في الجرى ، ومع مستويات التسديد والدفاع بالرمح من حيث الارتفاع والانخفاض وتغيير أوضاعه يمنة ويسرة (٢) . فاذا خرج المملوك الرماح لمطاردة فارس ، اتخذ رمحا من نوع آخر غير رمح المتعلم . واستلزم ذلك صفات كثيرة ، وهى أن يكون الرماح شديد اليقظة الى جميع ما يعمله ، فاذا رأى خصمه يكسر عليه بفرسه ، ويحبس جريه ويمد يده الى رمحه ، اسرع هو الى طعنه قبل ان يستوى هجومه (۳)

فضلا عن ضرورة اجادته لتدريبات المطاردة ، والمصارعة والمقابلة والعناق وتبطيل طعنات الخصم . ووضع المعلمون لذلك كتبا اصبحت مراجع في تعليم الرمح ، وأشهرها كتاب البنود في معرفة الفروسية على طريقة المعلم الاستاذ نجم الدين الاحدب ، والكتاب الذي وضعه عن تدريبات المطاردة بكتوت الرماح الخازندار الظاهرى احد رجال الحلقة (1) . وساعد تعلم الضرب بالصوالحة على اتقان الطعن بالرمح لما فيه من تمرين عضلات الجسم على سرعة الاستجابة الحركية واكتساب المهارة في الضرب سواء من اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف (۲) ، وأجمع معلمو الصوالحة على أن يكون طول الصولجان عشرة قبضة من قبضات المتعلم ، حتى لا يحتاج الى الانحناء في اللعب، أو اخطأ ضرب الكرة في سرعة (٣) . 

وعلى الضارب أن يختار ما يلائمه من الصوالحة من حيث الثقل كذلك، كما ينبغي أن تكون الكرة وسطا ولا تحشى ولا صوفا بل وبرا ، لأنه اخف وزنا وأقل ضررا في الرمي الطائش (٤) . سبع قطنا (1) كذلك من مقومات الفروسية للمملوك الرماح أما البرجاس ، وهو أثناء تعليمه ، فهو هدف خشبى مكون من سبع قطع تركب بعضها فوق بعض حتى يوازي ارتفاعه رأس الفرس . وينتهي هذا الهدف بحلقة من المعدن ، فيسوق المملوك في البرجاس سوقا خفيفا ثم سريعا، بعد أن يجمع أفخاذه على أجناب الفرس ، ويقصر عنانه ، ويرفع الرمح قليلا ، ثم يرمى الحلقة المعدنية ، فاذا أصاب سقطت عن قاعدتها الخشبية ، واذا اخطأ طاش الرمح إلى أرض الميدان (۱) به نحو امساك الرامي يسمى وتطلب تعليم الرماية بالقوس والنشاب معرفة انواع القسي وأسماء أجزائها ، والدراية بالنشاب وأنواعه وأدواته . والقسي نوعان : احداهما العربية المصنوعة من عود واحد من الخشب بغير غراء (۲) ، والثانية الفارسية وهي التي تتركب من الخشب والقرن والعقب بواسطة الغراء (۳). 

ولأجزاء القوس أسماء ، ، فموضع المقبض ، ومجرى السهم فوق قبض الرامى يسمى كبد القوس ، وما يعطف من خشب القوس يسمى السية، وما فوق المقبض من جهة يمين ى الرأس ، وما هو أسفله على يساره يسمى الرجل . أما النشاب فهو ما يرمى به عن القسى الفارسية، وما يرمى عن القسى العربية فهو النبل ، ومجرى السهم من الوتر يسمى الفوق ، وحديده يسمى النصل ، والريش يسمى القذذ ، والسهم قبل تركيبه يسمى القدح

والكنانة ويقال لها الجعبة وهي ظرف السهام، وتكون تارة من جلد وتارة من خشب (۱) ، واطلق عليها زمن سلاطين المماليك اسم التركاش (۲). ويبدأ الأستاذ في تعليم الرمي لتلاميذه من المماليك، باتخاذ قوسين لينتين ، فيطرح احداهما بين يدى المتعلم والأخرى بين يديه. فيبدأ أولا بتعليمه كيف يقبض ، وكيف يمد بالاصابع الثلاثة حتى يصح قبضه ، ويتطلب ذلك وحده أياما ومرانا . 

ثم يعقد الاستاذ على الوتر من غير سهم، ويشد اصابعه عليه حتى يستقيم عقده . ويتبعه المتعلم في ذلك من غير رمى ، فيطلق الوتر فارغا أياما حتى يصح اطلاقه. ثم يأخذ الأستاذ في تعليم المملوك اطلاق السهم من القوس بغير ريش ، فلا يزال به حتى يعلمه التفويق والاحكام في الرمى وذلك بالتدرج رويدا رويدا من قوس التعليم اللينة، الى قوس أقل ليونة حتى يبلغ خمس اقواس متفاوتة في القوة ، وتصون الخامسة الصالحة للعمل في الميدان . فاذا تمكن المتعلم من الرمي عليها ، أخذ فى شد القسى الشديدة ونزعها جهد طاقته ، وتمرس في استخدامها ليلا ونهارا (۳). 

وعلى المتعلم ان يسمى عند الابتداء ويكبر عند الإطلاق ، ويصلى على رسول الله بعد ذلك ، وعلى الاستاذ ان يشكر تلاميذه ويشجعهم ليزدادوا رغبة ، فيروض تلامذته ويؤلف بينهم . ويحرضهم على العمل ولا يوبخهم الا  خلوة ، ليجتهدوا في الطلب ويكثروا في احترام الموضع الذي خص بالرمى ، ولا يرضى لأحد ان يتكلم فيه بفاحشة لانه مسجد .(۱) فاذا صح رمى المتعلم : ، ورمى الأماج أياما على غير علامته أو هدف والاماج هو رمية السهم قاب قوس واحد (۲) ـ خرج الى الصحراء ورمى في الفضاء ، على غير علامة كذلك . 

فاذا رأى سهامه في الهواء صحيحة مستوية غير مضطربة ، رجع الى الأستاذ ليعلمه الرمي الى العلامة (۳) ، وذلك بأن يمرنه على الوقوف تجاه العلامة منحرفا قليلا ، ويجعل العلامة محاذيه لعينه اليسرى، وركبته اليسرى واستواؤها على أصابع رجله ، قبالة العلامة طولا ، ورجله اليمنى عرضا ، ويجعل بين الرجلين فرجة قدرها ذراع ، فيكون عقب الرجل اليسرى قبالة بياض الرجل اليمنى من داخلها . ويعتمد على رجله اليمنى ، ويخف برجله اليسرى (٤) ، فيرمى المتعلم أول يوم خمسة أرشاق وأقل من ذلك على قدر قوته واحكام صنعته ، ثم يعمل على زيادة الرمي حتى يمهر في ذلك وتكثر صوائبه (ه) .




اعلان 1
اعلان 2

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي